Vacation & Tourism in Syria

Archive for أكتوبر, 2011

تل الحسكة الأثري درة أثرية مزروعة في قلب مدينة الحسكة

في مركز مدينة الحسكة وفي الجهة الشرقية المطلة على نهر الخابور يقع تل الحسكة الذي تتوضع فوقه عدد من الثكنات والأبنية التي تعود لمرحلة الانتداب الفرنسي.

لكن للتل قصة تحكيها الأسبار التي أجرتها البعثة الوطنية واللقى التي اكتشفتها حيث وجدت أن الاستيطان البشري لمركز مدينة الحسكة لا يعود إلى بدايات القرن العشرين الماضية بل تعود للألف الثاني قبل الميلاد وبشكل شبه متصل إلى عصرنا الحاضر.

وعن أهمية التل و ما يحتويه من لقى أثرية مهمة يقول الدكتور عبد المسيح بغدو رئيس البعثة الوطنية العاملة بالتل.. جاءت فكرة العمل في تل الحسكة عام 1996 عندما قرأت رقيماً مسمارياً تم اكتشافه في تل الشيخ حمد يقول إن الملك الأشوري كيكوزي نورتا الأول في العصر الآشوري الوسيط والحديث بين عامي 1200 حتى 800 قبل الميلاد قد جاء عبر الحملات العسكرية من منطقة آشور حتى وصل إلى منطقة تائيدو وهي موقع تل حمدي شمال تل براك بـ 20 كيلومتراً ثم تابع المسير لمدة يومين باتجاه مكريزي وهو المكان الذي يلتقي فيه نهر الخابور مع نهر الجغجغ ليستريح هناك.

ويكمل بغدو.. يحيط بمركز مدينة الحسكة العديد من التلال الأثرية منها تل مجرجع وتل غرة وتل غويران وتل الحسكة وتل أبو بكر وغيرها ويوجد بين تل الحسكة وملتقى نهر الخابور بالجغجغ حوالي 1700 متر حيث يرجح علماء الآثار ديفد أولس وهارد منغولي أنه من الممكن أن يكون تل بيزاري الذي أشار الرقيم المسماري إليه هو تل مكريزي أو تل الحسكة ومن خلال الأسبار التي أجريت في التل وجدت بعض السويات التي تشير إلى وجود شيء ما يخفيه التل ومن خلال المراسلات تم نقل ملكية التل من ملاك وزارة الدفاع إلى ملكية وزارة الثقافة.

وأكد بغدو أن العمل في تل الحسكة كان ذا هدفين الأول سياحي حيث تم تسوير الموقع لإظهاره بالشكل اللائق وترميم الأبنية الفرنسية التي تعود لفترة الانتداب الفرنسي الموجودة في الموقع بهدف استخدام الأبنية كمركز بحث علمي أو معهد آثار أو محلات لصناعات تقليدية وشعبية ومن بعد الهدف السياحي يأتي الهدف الأثري.

20111024-154911.jpg

ويضيف بغدو في عام 2007 تسلمنا الموقع وفي العام 2008 حصلنا على الموافقة لبعثة أثرية وطنية وبدأنا على إثر ذلك العمل والتنقيب في الموقع وقد أجري بحث سابق للموقع تبين من خلاله وجود سويات تعود للألف الثاني والثالث والرابع قبل الميلاد ترجع للفترة الآشورية الأولى و الوسيطة إلا أننا بدأنا العمل في الساحة مباشرة ونتيجة كل هذه الأعمال تم اكتشاف كاتدرائية متكاملة تعود للقرن الرابع الميلادي و لكن قبلها تم اكتشاف أساسات لجدران وبعض العمارة تعود للعصر المملوكي و أبنية أيوبية وعثمانية.

أما الكاتدرائية المكتشفة فقد كانت بطول 31 متراً وعرض 18 متراً وتتألف من قسمين صحن الكاتدرائية وقدس الأقداس ويتألف صحن الكاتدرائية من ثلاثة أروقة رواق شمالي ورواق أوسط ورواق جنوبي يفصل بين الرواق الشمالي والأوسط قاعدة لأربع أعمدة وكذلك الأمر بين الأوسط والجنوبي وعلى الجدار الغربي قاعدة لعمودين وفي واجهة قدس الأقداس قواعد لعمودين والأرضيات مصنوعة من الطين المشوي الملون والبناء الخارجي مبني من حجر بازلتي مغموس بالجص وصل ارتفاعه في أحد الأجزاء إلى 210 سم وأحد العمودين المتهدمين نتيجة حدث ما وصل ارتفاعه مع القاعدة إلى قرابة 5 أمتار.

ويرى رئيس البعثة الوطنية أن الكاتدرائية مرت بعدة مراحل كانت البداية في الفترة المسيحية المبكرة أي في القرن الرابع أو الخامس الميلادي واستمرت حتى القرن الحادي عشر الميلادي وتتم دراسة أسباب انهيار هذه الكاتدرائية التي تعود على الأغلب إلى زلزال ضرب المنطقة أو نتيجة خطأ معماري أو ضعف بنية وفي المرحلة المتأخرة من بناء الكاتدرائية يوجد عنصر معماري لم يتم الكشف عنه سابقا وهو تطور عامل البيما وهي عبارة عن مكان دائري لوقوف رجال الدين فيه ويمتد منه طريق بطول أكثر من سبعة أمتار يسمى الشخافون يسلكه رجل الدين ويقوم بإلقاء الموعظة فيه.

وقدس الأقداس يتألف من ثلاث غرف الأولى هي الهيكل أو بيت القدس والثانية هي المعمودية والثالثة هي السكرستية وهي مكان لباس رجال الدين وقد وجد في قدس الأقداس أربعة أعمدة لوضع المائدة المقدسة وفي الجهة الغربية تم الكشف عن معصرة لتحويل العنب إلى نبيذ بالقرب من غرفة السكرستية ويقدر عدد الناس الذين كانوا يجلسون في الكاتدرائية ما بين 650-700 شخص.

وفي القطاع الجنوبي من التل وعلى مقربة من الأبنية المحيطة بالساحة والمدخل الرئيسي عثر على قاعة قد تكون للاستقبال أو مركز قد يكون للخوارنة لممارسة بعض الطقوس الدينية كما تم الكشف في الزاوية الجنوبية الغربية عن بئر للماء إضافة إلى كرسي الاعتراف وصندوق الذخائر يوضع فيه رفات شخص قديس و يصب عليها الزيت ليتبارك منه المؤمنون حسب اعتقادهم كما تم اكتشاف ختم لخبز البرشان.

ويختتم بغدو قائلاً: النتيجة المهمة هي تاريخ مدينة الحسكة وما يشاع أنها سكنت في القرن التاسع عشر أو العشرين لكن من خلال العناصر المعمارية واللقى الموجودة في التل من ثكنة عسكرية سورية وقبلها فرنسية وعثمانية والعثور على أساسات سور مملوكية وعمارة أيوبية وكاتدرائية امتدت في الفترة البيزنطية ثم الإسلامية والأموية والعباسية ومن ثم سوية رومانية إذا يمكن القول إن الوجود السكاني في الموقع يمتد حتى القرن الثاني الميلادي وهذا يؤكد استمرار الاستقرار في مدينة الحسكة منذ الفترة الآشورية في الألف الثاني قبل الميلاد و حتى عصرنا الحديث مع وجود بعض الانقطاعات الزمنية لهذا الاستقرار.

قناة العاشق المائية

تعد قناة العاشق المائية من أجمل الأقنية الرومانية الموجودة في مدينة سلمية وسط سورية والتي يعود بناؤها إلى القرن الأول الميلادي ويعتقد بأنها سميت الأمورية باعتبار أنها عرفت أيام الأموريين غير أن الرومان اجروا عليها بعض الترميمات والتحسينات الإنشائية فاشتهرت باسمهم.

وهذه القناة هي واحدة من أصل 350 قناة منتشرة في أنحاء مختلفة من المنطقة والتي تم إنشاوءها تحت سطح الأرض حيث كانت تستعمل لأغراض نقل المياه وأشهرها قناة العاشق وهي الأطول في المنطقة حيث تمتد لمسافة 150 كم بقطر يتراوح ما بين 1و3 أمتار وبعمق متر واحد بحسب طبيعة وواقع الأرض التي تمر بها.

وتسير القناة من عين الزرقاء غربا مرورا بالأراضي الشمالية لقرية تلدرة و تتابع سيرها حتى تعبر سفوح جبل علي كاسون في أم طويقية ثم تدور القناة حول جبل زين العابدين قرب حماة لتصل إلى أفاميا وحماماتها.

ويحدد بناء قناة العاشق في القرن العاشر الميلادي ويبدو أنها خربت بفعل زلزال عام 1157 حيث جرى تحويلها بعد ذلك من قبل سلاطين بني أيوب الأيوبيين لإرواء مدينة حماة وسقاية مناطق الجروف الواقعة شمال المدينة.

وقال المهندس مرهف ارحيم مدير سياحة حماة إن لهذه القناة قصة تعد من أغرب وأعجب قصص التاريخ التي يمتزج فيها الخيال بالحقيقة و الواقع بالأسطورة وهي تحكي قصة أمير وقع في حب ابنة ملك أفاميا التي أصابها الجفاف والعطش حيث جفت ينابيعها وتشققت أراضيها فكان صداقها مهرها الذي طلبه والدها من الأمير مقابل الظفر بزواجها هو إرواء افاميا وإنقاذ شعبها من العطش والموت الأمر الذي دفع هذا الأمير إلى استحضار مياه عين الزرقا بالقرب من مدينة السلمية.

وأشار إلى القيمة الهندسية والإنشائية العالية جدا التي روعيت في تصميم هذه القناة الفريدة من نوعها والتي تدل على مدى التقدم العلمي الكبير في استخدام قانون الأواني المستطرقة في ذلك الزمن المبكر وقدرة البنائين الطبوغرافية الفائقة في إيصال مياه عين الزرقا العذبة إلى افاميا على امتداد قناة يزيد طولها على 150 كم دون استخدام أي عملية ضخ أو رفع للمياه .

ويروي الأديب الراحل الدكتور سامي الجندي وهو من أبناء مدينة سلمية حكاية هذه القناة قائلا في أواخر العصر الهلنستي عشق أمير سلمية أميرة افاميا وزين له الوجد أن يبعث لها برسالة حب تظل اغرب وربما أخلد رسائل العشق في التاريخ فقد كانت السلمية آنذاك تسقى ريا بالمياه وافاميا ظمأى فأمر بحفر قناة تمتد من أراضي سلمية إلى ديار الاميرة على امتداد هذه المسافة الطويلة جدا وعبرت القناة الوديان والهضاب بئرا تلو بئر كأن خلدا هائلا قد حفرها بمهارة و دقة فائقتين بدءا من كل بئر.. بعض من ينبوع يضاف إلى الذي يليه وهكذا تغدو نهرا صغيرا يسيل ضمن مجرى يتراوح عمقه بين متر وثلاثة أمتار وكانت تلك أشجع طرق الري في السهول التي يندر فيها الماء.

ويضيف الدكتور الجندي لكن يبدو أن رسالة العاشق تأخرت كثيرا في الوصول إلى الأميرة حسب الوثائق التاريخية التي أشارت إلى أن افاميا لم تشرب من ماء سلمية إلا في عهد الإمبراطور تراجان الروماني سنة 116 ميلادية.

من جهته أوضح أمين ميرزا مدير إعلام حماة وهو من أهالي مدينة السلمية إن النظام المائي الذي وزعت من خلاله المياه المستجرة اعتمد على مجموعة أقنية تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة أفاميا خارج الشارع المستقيم وضمن الأسوار جاء بشكل هندسي رائع عبر فيه أمير سلمية عن هيامه الكبير بابنة ملك أفاميا فأراد أن تكون هذه القناة عربون حبه وتضحيته إلا أنه وفقا للأسطورة لم يحظ بالزواج منها لظروف مجهولة.

ولفت إلى أن القناة التي تبدأ سيرها من منطقة عرفت باسم عين الزرقاء غربي سلمية مبنية من الأحجار البازلتية كما تم طلي مجرى القناة بمادة القصرمل غير النفوذة للماء وهي عبارة عن خلطة من الغضار والكلس المطفأ ومخلفات الأفران مبينا أنه تم حفر القناة على شكل سراديب ضيقة العرض عبر ما يعرف بنظام الفجارات وهي عبارة عن آبار قريبة من بعضها يتم الوصل بينها بأقنية وقد تم سقفها في بعض المناطق بحجارة بازلتية أيضا حتى لا تختلط بمياه السيول و تصل المياه نقية إلى مصبها كما أقيمت لها عدة جسور مختلفة وصل عددها إلى 12 جسرا عبر سيرها في الوديان.

دير”يعقوب المقطع” ومعاصر رهبان القلمون

يعد دير مار “يعقوب المقطع” من أقدم الأديرة في “جبال القلمون” ومن الأديرة التي تعتبر مرفقاً أثرياً مهماً في “سورية”.

يحدثنا السيد “جاك أنطون” من أهالي “جبال القلمون”: «تحتضن هذه جبال عدداً كبيراً من الأديرة الرهبانية والكنائس الأثرية وكلها تقريباً تعود إلى القرون الأولى في التاريخ المسيحي منها دير الشهيد “يعقوب الفارسي المقطع” الذي بدأت فيه أعمال الترميم وإنشاء أخوية راهبات حديثاً لتكون منارة روحية للمنطقة وترشد الناس الذين يقصدون زيارة الدير».

زار موقع “eDamscous” دير الشهيد “يعقوب المقطع” في بلدة “قارة” والتقى رئيسة الدير الأخت “فاديا اللحام” لتحدثنا قائلة: «يعتبر الشهيد “يعقوب المقطع” من أشهر الشهداء الفارسيين، دعي بالمقطع لأن الوثنيين كانوا يبترون أعضاء جسمه بعد تعذيبه أما هو فلم يحرمه تقطيع أعضائه من الاستمرار في حياة الإيمان بالمسيح، يعود تاريخ تأسيس الدير إلى منتصف القرن السادس الميلادي حسبما كشف الباحثون والتنقيبات الأثرية، يقع بالقرب من بلدة “قارة” التي تبعد حوالي 60 كم جنوب محافظة “حمص” يتبع هذا الدير إلى مطرانية “حمص وحماه ويبرود” للروم الملكيين الكاثوليك وكان مركزاً اسقفياً فيه مدرسة لتنشئة الرهبان ومكان لكتابة المخطوطات، يقول الباحثون إن الدير تعرض كثيراً إلى دمار وهدم من خلال حملات الغزو أو أعمال السرقة والتخريب، ففي القرن الثاني عشر غزاه المماليك خلال إخضاعهم لبلدة “قارة” وهدموا الدير وفي القرن السابع عشر تعرض الدير إلى أعمال سلب وسرقة حينها قتل حوالي مئة وعشرين راهباً، وغيرها العديد من الأعمال العنيفة حتى منتصف القرن العشرين عندما أغلق الدير تماماً».

سمي هذا الدير على اسم الشهيد الفارسي” يعقوب المقطع” الذي كان والده من العظماء

ومحباً “للمسيح” اشتهر بمحبته للفقراء والأيتام، كان “يعقوب” يتمتع منذ نعومة أظافره بالحياة المقدسة نال العلم وتزوج امرأة مؤمنة، استشهد على يد الملك الفارسي “سكراد بن صافور” الذي كان يعبد الشمس ويضطهد الديانة المسيحية فحاول “الملك صافور” بداية أن يستميل الشهيد “يعقوب” إليه لأنه كان ذا دالة كبيرة عنده ولكن لم يستطع فأمر الجنود بضربه ثم تقطيعه بالسكاكين وأخيراً نال الشهادة بعدما قطع أحد الجنود رأسه، أسرعت والدته وأخته إلى موضع استشهاده وذهب معهما بعض المؤمنين حيث امتزجت دموع الحزن بفرح استشهاد القديس “يعقوب” ثم وضعوه في أكفان فاخرة وسكبوا طيباً عليه حيث دفن بإكرام عظيم».

تتابع الأخت “فاديا اللحام”: «بني الدير من اللبن المجفف “مادة تتألف من الكلس والقش كانت تستخدم في الماضي لبناء الجدران” ارتفعت اسواره من الحجر المرصع، يتألف من عدة أقسام هي “دار مار يعقوب” فيه العديد من الأقواس الملتفة وهو اسلوب معماري قديم وهذه الأقواس تستند على أعمدة تعود إلى القرن الثامن عشر وبجانب الدار يوجد عدة غرف خاصة للرهبان تدعى “القلايات” تعود إلى القرون الوسطى، ومن أقسام الدير أيضاً هناك “دار التنور” وفيه تم اكتشاف أوان فخارية وزجاجية مع آثار وقود ما يدل على أنه كان مطبخاً قديماً، أيضاً “الكنيسة الكبرى” وهي على اسم القديس “يعقوب المقطع” الفارسي، يعود بناء هذ الكنيسة إلى ما قبل القرن الحادي عشر بنيت من اللبن وتقع في الجناح الشمالي للدير وهي مائلة 35 درجة نحو الشمال وهو ليس من أساليب

بناء كنيسة بيزنطية ما يدل على وجود معبد سابق، جدران الكنيسة عليها رسوم لم يبق منها إلا القليل مثل رسم لمعمودية “السيد المسيح” وآخر للنبي “موسى” وهو يتقبل لوحي العهد وهذه الرسوم جميعها الآن تحت إشراف اشخاص مختصين بترميم الأيقونات والرسوم الجدارية».

تتابع الأخت عن الدير فتضيف: «من أقسام الدير أيضاً “بيت القديسين والشهداء” هو قبو مستطيل يحتوي على الأيقونة الوحيدة لمار “يعقوب المقطع” التي نجت من أعمال السرقة وتعود هذه الأيقونة إلى القرن التاسع عشر ويقع هذا القسم إلى جانب الكنيسة اليميني، يحتوي الدير أيضاً على “طاحون الدير” الأثري الذي كان مشهوراً بغزارة مياهه التي تنزل من الجب ويذكر عدد من المؤرخين أن هذا الطاحون والجب من القرن الثامن عشر ومازالا موجودين حتى هذا اليوم، كما يوجد “مغارة” واسعة إلى جانبها نفق طويل فيها خابية قديمة حفرها الرهبان وهي موصولة بالمعصرة “مكان يوضع فيه حجر دائري كبير يستخدم لعصر الزيتون واستخراج الزيت منه” وكانت تستخدم لتخزين الدبس والمؤونة يقال من أشخاص قدماء إن الدير كان موصول ببلدة “قارة” عبر النفق لتصل الى “رأس بعلبك” في “لبنان”».

تتابع: «من أقسام الدير القديمة “البرج” الذي يعد من الأبراج النادرة في منطقة “القلمون”، أساساته رومانية تعود إلى القرن الأول الميلادي، فقد كان برج مراقبة للقوافل التجارية المتجهة من “رأس بعلبك” إلى “دمشق” ويوجد في حرم الدير مغارة يوجد بها أربعة آبار قديمة تمر بها قناة ماء اسمها “عين طيبة” تعود إلى القرن الخامس

كانت تؤمن المياه إلى الدير والمزارع المجاورة له، إن دير “مار يعقوب” المقطع في هذه الفترة تحت نهضة عمرانية حديثة فإدارة الدير بدأت ببناء جناح عمراني فيه عدد كبير من الغرف لاستقبال الضيوف والزائرين بالإضافة إلى أعمال ترميم في الدير لمحاولة إظهار كافة المعالم التاريخية والروحية التي سبق أجدادنا بحفظها وتوريثها للأجيال الاحقة، والآن يقيم في الدير أخوية راهبات تقوم بالإشراف على كافة الأعمال العمرانية واستقبال الزوار بالإضافة إلى حياة الشركة الرهبانية الخاصة مثل الصلاة والصوم والحياة الروحية».

“حجر العروس” حكاية جمود موكب العروس

لحجر العروس الواقع على الطريق بين مدينتي “عفرين” و”راجو” قصة شعبية قديمة ما زالت الألسن تتناقلها إلى اليوم لتصبح من التراث اللامادي للمنطقة ورواية تستحق أن تروى.

للتعرّف أولاً على موقع “حجر العروس” التقى موقع eAleppo بالمصور الضوئي “عبد الرحمن محمد” صاحب محل تصوير في مدينة “راجو” فقال: «تقع مدينة “راجو” وهي مركز ناحية في الجهة الشمالية الغربية من مدينة “عفرين” بنحو 25 كم وفي منطقة “وادي النشاب” /”كالي تيرا” محلياً/ التي تقع إلى الجنوب من مدينة “راجو” بنحو 3 كم بين توجد مجموعة متسلسلة من الحجارة والصخور في الجهة اليسرى من الطريق العام بين مدينتي “عفرين” و”راجو”، هذه الحجارة والصخور تشبه تماماً موكب عروس كانت تمر ذات يوم في تلك الأنحاء قبل أن يتجمد كل من فيه من رجال ونساء بحسب الحكاية الشائعة والمعروفة حول الموقع، وهي حكاية شعبية موغلة في القدم تناقلها الناس في المنطقة بشكل شفهي جيلاً بعد جيل حتى وصلت إلينا اليوم.

أنا برأيي أن هذه الحجارة المرصوفة جيداً وبهيئتها الحالية هي جزء من الجبال المحيطة بوادي النشاب وقد أوجدتها العوامل الطبيعية عبر الزمن مثل عوامل الحت والتعرية والثلوج والصقيع والحرارة والأمطار وغيرها لتبدو كأنها موكب حقيقي فنسج الأقدمون حولها حكاياتهم».

وأضاف الأستاذ “عبد الرحمن”: «من عادة الناس في منطقة “عفرين”

إطلاق الأسماء ونسج القصص والحكايات حول كل التضاريس المحيطة بهم من سهول وجبال ووديان وغيرها، ففي المنطقة توجد مثلاً وديان تحمل أسماء مختلفة كوادي النمر و”وادي جهنم” و”جبل هاوار” و”نهر الصابون” وغيرها فإطلاق هذه التسميات على تلك الأماكن تتم بسبب قصة أو حكاية حدثت فيها ومع الزمن شاع الاسم وانتشرت حكايته بين الناس وراحوا ينقلونها من جيل إلى آخر، ومن هذا المنطلق أقول بأنّ “حجر العروس” الذي- برأيي- صنعته الطبيعة على شكل موكب عروس دفع الناس إلى نسج حكاية حوله علماً بأنّ مؤلف الحكاية وزمنها غير محددين وبالتالي هي قصة شعبية عامة لكل الناس وهي جزء من التراث اللا مادي لمنطقة “عفرين”».

وحول القصة الشعبية لموقع “حجر العروس” قال السيد “حسن شيخو” من أهالي منطقة “عفرين”: «”حجر العروس” هو الاسم الذي يطلقه سكان منطقة “عفرين” على المكان الذي تجمد فيه موكب عروس كان يمر من “وادي النشاب” وهو الممر الإجباري بين “عفرين” و”راجو”.

الموكب كان يتألف من مجموعة من الرجال والنساء يتوسطهم حصان أو فرس على ظهره عروس علماً أنّ عادة نقل العروس من بيت أهلها إلى بيتها

الجديد ضمن موكب جماهيري وعلى ظهور الأحصنة عادة شائعة عند الأكراد وكانت تتم حتى وقت قريب.

للموقع حكايتان قديمتان تعود الأولى إلى زمن سيدنا “نوح” عليه السلام والثانية إلى زمن غير معروف وفي الحكايتين النتيجة واحدة وهي تجمد الموكب بالكامل وتحول كل من فيه إلى حجارة.

تقول الحكاية الأولى بأنّ موكباً كان يضم عروساً ممتطية الحصان وأمامها وخلفها عدد من الأشخاص وكان الموكب يمر من المكان بسلام وأمان وسط ترديد الأغاني من قبل الرجال والزغاريد من قبل النسوة، هذا حدث أيام سيدنا “نوح” كما قلت، وفجأة وعند وصولهم للموقع شاهدوا طوفاناً عظيماً للمياه هو “طوفان نوح” ومن شدة خوفهم ورعبهم تجمدوا في مكانهم دون حراك وتحولوا إلى حجارة بعد أن غمرتهم المياه.

أما الحكاية الثانية فمختلفة عن الأولى ومفادها بأنه كانت هناك أم وابنتها تعيشان وحدهما دون معيل أو سند فجاء إليهما أحدهم طالباً يد الابنة للزواج ولكنها لم توافق فبادر مع مجموعة على خطفها وأخذها عنوة فما كان من الأم سوى الدعاء عليهم والطلب من الله سبحانه وتعالى بأن يتجمدوا ولا يصلوا البيت فاستجاب الله لدعائها وجمدهم

وختم: «حتى الثلاثينيات من القرن الماضي كانت ملامح “حجر العروس” أكثر وضوحاً مما عليه اليوم ولكن العوامل الطبيعية أثرت عليه وأبقته بصورته الحالية، بالإضافة إلى أن القصف الفرنسي للثوار في ذلك الموقع خلال مقاومتهم للمحتل سبب ضرراً إلى حد كبير ولكن ذلك الضرر لم يمح القصة من ذاكرة أهل “عفرين” الذين ما زالوا يرددونها في مجالسهم أو عند مرورهم من ذلك المكان»

رحلة الحج

في الماضي، حين كان الأب الذي يعيش في بلدة بعيدة وفقيرة، يطلب من ولده تنفيذ مهمة ما، ويرفض هذا الولد القيام بها، يعترض الوالد عليه غاضبًا، ماذا طلبت منك “هل أردت منك أن تحججني؟!”.. والتحجيج هو من فعل حجَّ أو أدى فريضة الحج، التي كانت تكلّف في السابق، إضافة لعناء السفر ومشقته أموالاً كثيرة، كان كبار السن يجهدون طوال حياتهم لتوفير نفقاتها.
وإن كان هذا الوقت الذي سهّل فيه تطور وسائل المواصلات ونواحي الحياة المختلفة الحج وجعله أمرًا يسيرًا، فإنه في الماضي القريب وحتى مائة سنة ماضية لم يكن بهذه البساطة والسرعة؛ إذ كان الحاج يتكلف مالاً كثيراً، ومشقة سفر تتجاوز الأشهر الأربعة بقليل، إضافة إلى أن مركز انطلاق قوافل الحج كان مدينة واحدة هي دمشق، منها تسير أفواج الحجاج إلى مكة والمدينة، وإليها يأتي معظم المسلمين من آسيا وجنوبي أوروبا، للالتحاق بموكب الحج الشامي الذي كان أميره على مدى أربعة عشر عامًا الوالي “أسعد باشا العظم”، وهو الذي ترك قصرًا في قلب دمشق القديمة، تحتفظ إحدى غرفه بالمحمل الشامي وكل المستلزمات الأخرى التي تستخدم في رحلة الحج منذ مئة وخمسين عامًا تقريبا.
بالشمع والزيت يحتفلون
في كتابه “دمشق في مطلع القرن العشرين” يوضح “أحمد حلمي العلاف” كيف كانت ترتب شؤون الحجيج أيام الدولة العثمانية، والتفاصيل الدقيقة لكل مراسم المحمل الشامي بدءاً من الإعداد له مروراً بمسيرته وانتهاء بالاحتفالات التي يقيمها الدمشقيون بعد عودة الحجاج من الأراضي المقدسة، وكانت هذه التفاصيل قد عُرضت في أحد الأعمال الدرامية السورية “الخوالي” لبسام الملا، واتكأت على هذا المرجع لتقديم صورة عن حياة الناس، عاداتهم وطقوسهم في أيام الحج البعيدة تلك.
تبدأ مراسم المحمل في اليوم الأول لعيد الفطر، وتسمى “مراسم الزيت والشمع والمحمل”، حيث تصطف الفرق العسكرية أمام المسجد الأموي، وتؤدي التحية لوالي المدينة وقائدها العسكري، وبعض كبار الموظفين، وبعد الانتهاء تجرى حفلة إخراج الشموع والزيوت المهيأة لإرسالها مع موكب الحج إلى الحرمين الشريفين.
في “يوم الزيت” وهو الثاني من شوال كل عام، يتم الاحتفال بنقل الزيت من “كفر سوسة” أحد ضواحي دمشق في الماضي، وهو أحد أحيائها اليوم ضمن ظروف على ظهور الإبل حتى “الكيلار” في البحصة، وهو المستودع الخاص بأدوات محمل الحج.
أما في اليوم الثالث من شوال (يوم الشمع) فينقل الشمع باحتفال رسمي أيضاً، من الدار التي سكب فيها في “كفر سوسة” ووزنه ثلاثة قناطير، وماء الورد من محصول قرية “المزة” -وهو حي المزة المشهور في دمشق اليوم- ووزنه نحو قنطار، والملبس ووزنه عشرة أرطال، ويُحمل الشمع على أعناق الرجال ملفوفًا بالشال “الكشمير” لإهدائه إلى الحرمين، وفي يوم السنجق، يُخرج السنجق الشريف “الراية أو اللواء” وهو كلمة فارسية، من القلعة حيث يُحتفظ به، وينقل باحتفال مهيب إلى دائرة المشيرية، ليستقبله المُشير ويضعه في قصره.
أما اليوم الرابع من هذه المراسم، فهو (يوم المحمل)، حيث يخرج موكب الحج الشريف مع المحمل والسنجق إلى حي الميدان، ثم باب مصر، ومنه إلى قرية القدم التي فيها قبة جامع “العسالي”، وتحت هذه القبة، يوضع المحمل نحو عشرة أيام، ريثما تنتهي أسباب السفر إلى الحجاز.
التشرف بإمارة الحجيج
يعتبر “آل سعد الدين” من أعرق العائلات الدمشقية، وأكثرها ارتباطًا بطقوس محمل الحج الشامي، حيث كان لشيوخ الأسرة السعدية موقعهم المميز في احتفالات المحمل؛ لأن دارهم كانت المحطة الأهم لاستراحة المحمل الشريف، الذي كان شعارًا لسيادة السلطان العثماني على الحرمين الشريفين، يوضع (المحمل) على ظهر جملٍ جميل الشكل قوي وعال لا يستخدم لأي عمل سوى الحج، ويحمل إضافة للمحمل الكسوة السلطانية إلى الكعبة الشريفة، وحين كان المحمل يتوقف في دار سعد الدين يتقدم شيوخ الأسرة ووجهاؤها ليلقموا الجمل قطعًا من اللوز والسكر، فيتهافت الناس على التقاط الفضلات من فم الجمل تبركاً وتحببًا؛ لأنه يحمل أعظم شعار يجتمع إليه المسلمون عند ذهابهم إلى الحج، وبعد وصول المحمل إلى العسالي، ينتظر تجمع الحجاج يومًا أو يومين، حيث تسير قافلة أمير الحج في طريقها إلى مدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
كانت الدولة العثمانية تتحمل نفقات الحج، وتعهد بإمارته لواحد من كبار العسكريين في دمشق، أو من زعماء العشائر العربية في فلسطين، ويهيأ هذا الأمير للخروج بالحج، قبل حلول الموسم بثلاثة أشهر، فيقوم أولاً بـ”الدورة” أي زيارة المناطق الجنوبية من دمشق لجمع المال اللازم، وقد يكون الوالي نفسه أمير الحج، وهي مهمة صعبة وخطيرة لأن من واجباته أن يدفع عن الحجاج اعتداءات القبائل التي تنوي بهم شرًّا، وقد تولّى أسعد باشا العظم –والي دمشق- إمارة الحج مدة 14 عامًا، وكان الباشاوات في مختلف أنحاء السلطنة العثمانية يتوقون إلى هذا اللقب.
تتكون قوافل الحج الشامي من عدة فئات تقوم بخدمة الحجاج والسهر على راحتهم وحمايتهم، ولكن من هذه الفئات وظائفها: فالسقاة، كانوا يحملون القرب لنقل المياه من البرك والآبار إلى الحجيج. والبّراكون، هم أصحاب الدواب التي تنقل الحجاج وتكون من البغال والبراذين. والعكّامة وهم أصحاب الجمال والهوادج التي تنقل الحجاج أيضًا، وأصحاب المشاعل، وهم حملة القناديل ومشاعل الزيت، وطائفة أصحاب الخيم، ولكل هؤلاء رؤساء ومعاونون كثيرون، مهيؤون لتأمين راحة الحجاج فأهل حي الشاغور وقصبة دوما للجمال، وأهل الصالحية كان أكثرهم للسقاية والمشاعل وللبراكة، والبياطرة منهم أيضًا، والجنود يخدمون أنفسهم، أما الأمير وأتباعه فإن مئات الأشخاص يكونون تحت خدمته وخدمة معاونيه.
كان أمير الحج يخرج من سراي الحكم “المشيرية أو العسكرية” على رأس موكب الحج بين 15–17 شوال، ويتخذ طريقه: الميدان، مجتازًا باب المصلى، ثم الميدان الفوقاني، إلى باب الله أو بوابة مصر، في ممر يمتد نحو ثلاثة كيلومترات متجهًا إلى قرية مزيريب، وبعد خروج الحج ببضعة أيام “من يومين إلى خمسة” تخرج قافلة الحج الشامي من الطريق نفسه، يتلوها قافلة الحج الحلبي، ومعهم حجاج العجم، ويبقى الجميع في مزيريب حتى يتم خروج الموكب بأجمعه، وكانت رحلة الحج الشامي تستغرق أربعة أشهر من شوال حتى صفر.
الحبوب والمحبوب
بعد انتهاء مناسك الحج، يتجمع الحجاج في المدينة المنوّرة حول المحمل والسنجق ويعودون في نفس الموكب الذي ذهبوا به، وحين يقارب وصولهم إلى دمشق، تستعد الحكومة والأهالي لاستقبالهم باحتفالات كبرى.
وكان معروفًا عند الناس قولهم أثناء مغادرة الحجاز: “يأكلون الحبوب ويفارقون المحبوب”، والحبوب نوع من الحلوى تطبخ فيه الحبوب المتنوعة كالحمص والقمح واللوبياء والفاصولياء مع السكر، وعادة ما يصنع يوم عاشوراء في العاشر من محرّم، والمحبوب هو الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
في العودة، يكون مع القافلة رجل يُدعى “أمين الصر”، والصر هو بعض الهدايا التي كانت توزع على عربان بين الحرمين تملقاً لهم وخوفاً من بطشهم، ويحوي هذا الصر مختلف المتاع من أحذية، ومحارم وهي مناديل قطنية أو حريرية كان بعضها يصنع في دمشق أو تحضر من إستانبول، والعُقل، والعباءات والجوارب. أما “الجوخة دار” أو “جوقة دار” وهي كلمة تركية الأصل تعني فتيان السلطان أو القصر السلطاني، ثم أصبحت الكلمة تطلق على رسول السلطان أو الوالي، فيقوم في الحج بدور الرسول الذي يرسله أمير الحج إلى دمشق ليبشّر الناس بعودة الحجاج قبل وصولهم ببضعة أيام، وينفصل الجوخة دار عن الحجاج في تبوك، يصل قبلهم بسبعة أيام، ويبشر الناس بسلامة الحج ونظافته من الوباء والأمراض والمصائب، وبمجرد وصول الجوخة دار يبدأ الناس بالسفر إلى مزيريب أو غباغب أو الكسوة، حاملين مختلف الأطعمة لملاقاة حجاجهم من أقارب وأصحاب.
أما الدولة فتعين يوماً لاستقبال موكب الحج، يأتي فيه الناس مهللين مكبرين، يصطفون على جوانب الطرق من بوابة مصر في العسالي، إلى دار الحكومة وهي مكان القصر العدلي في دمشق اليوم. وتطلق مدفعية قلعة دمشق عند وصول الموكب عشرين طلقة متقطعة، وفي تلك الأثناء يمر الموكب ثانية في دار آل سعد الدين الذين يناولون جمل الحج اللوز والسكر كما فعلوا عند ذهابه إلى الحجاز.
الفرح واحد بين أمس واليوم
ربما لا تختلف مراسم استقبال الحجاج في أيامنا، عنها في الماضي، فاليوم تزين واجهات الدور، أو مداخل البنايات بأغصان الصنوبر والأضواء واللافتات التي تكتب عليها مختلف العبارات المرحبة بحجاج بيت الله الحرام، والمتمنية حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً، وغيرها، وتقام الاحتفالات بالطبل والزمر والدفوف، بالرقص والأغاني والزغاريد، تماماً كما في استقبال وفود الحج الشامي في الماضي، طبالون ومنشدون، أتوا إلى دمشق لهذه الغاية.
ولا ننسى بالطبع، لاعبو السيف والترس والعراضات الشعبية، وبعد نزول الحاج عن هدوجه أو -في مشهد معاصر من السيارة التي تقلّه- يُسلم على أفراد عائلته الذين يمرغون وجوههم في ثيابه، وإذا كان مسنّا، يقبلون يديه اللتين لمستا الكعبة المشرّفة والحجر الأسود وشباك الرسول الأعظم، ويقولون له بعد التهليل والتكبير “حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً وتجارة لن تبور”؛ لأن موسم الحج كان فرصة للتجار، أيضاً، لأخذ أنواع من بضائعهم، وبيعها في المدينة المنورة ومكة، وجلب بعض البضائع للتجارة بها في دمشق أو البلاد الأخرى.

قرية شعارة الأثرية

ساهم خلو قرية شعارة الحورانية الأثرية من السكان في الحفاظ على بنيتها المعمارية الأصيلة فلم تدخل عليها أي من تأثيرات بشرية كغيرها من باقي القرى والمدن والمجمعات السكانية في محافظة درعا ما يجعل الأمل كبيرا في تحويلها إلى متحف في الهواء الطلق لتعبر عن أصالة القرية الحورانية القديمة.

وتشير التنقيبات الأثرية والمسوحات التي أقيمت في القرية إلى أنها نشأت في العصر الهيلينستي مروراً بمختلف الفترات التاريخية الأخرى وصولاً إلى العصر الإسلامي المتأخر.

20111027-141234.jpg

ولعل أبرز ما يميز هذه القرية هو حماماتها ذائعة الصيت التي تعود للعصر الروماني وتنطلق في تصميمها من الطريقة المتعارف عليها في ذلك العصر إذ تقسم الى ثلاثة أقسام حار ودافئ وبارد إضافة الى القاعة الرئيسية كما تنتشر في القرية البيوت السكنية البازلتية مستفيدة من بيئة حوران البركانية.

أما أكثر ما يثير الانتباه هو تلك المغارة الموجودة في الجهة الجنوبية الغربية من القرية والتي تعتبر جنائزية وأشارت المكتشفات الأثرية المعمارية واللقى إلى أنها كانت تستخدم كمدفن نظراً لاحتوائها على خمسة مدافن مبنية في الجزء الجنوبي منها.

وللمغارة مصراع لباب بازلتي يتصل بالواجهة بواسطة جدار مبني بعناية فائقة كان مخصصا لإدخال الموتى كما يلحظ فوق المغارة وجود آثار لقبور أخرى وحجرات منحوتة في الصخر وتشير اللقى وخاصة الفخارية منها إلى أن استخدام المغارة كمدفن كان خلال القرنين الثاني والرابع بعد الميلاد كما عثر على عدد من السرج الفخارية تؤرخ إلى ما بين القرن العاشر الميلادي والقرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين.

ويقول الآثاري قاسم المحمد في حديث لسانا إن القرية سجلت على لوائح المديرية العامة للآثار والمتاحف في عام 2002 مبينا أن جغرافية الموقع على الطرف الغربي من منطقة اللجاة على أرض حممية بالكامل جعله يفتقر إلى النشاط الزراعي فيما يمر طريق اللجاة الروماني إلى الشرق من شعارة.

20111027-141301.jpg

ويضيف المحمد أن العديد من البيوت السكنية تنتشر في مختلف أرجاء القرية المبنية بحجر البازلت تعود لفترات مختلفة بدءاً من العصر الهيلينستي وحتى الفترات الإسلامية المتأخرة إضافة إلى حماماتها الشهيرة.

وأوضح الآثاري السوري أن الأسبار الأثرية التي أجريت في الحمامات أثبتت أنها تعود إلى القرن الثاني أو الثالث الميلادي كما كشفت التنقيبات عن وجود توسع عمراني في القرية في العصر البيزنطي من خلال الأبنية العديدة المنتشرة في مختلف أرجائها وبعضها أقيم على أنقاض المباني من العصر الروماني.

وأشار المحمد الى أن الزلزال الذي ضرب المنطقة خلال القرن السادس الميلادي ادى الى تهدم العديد من منشات قرية شعارة والتي تم فيما بعد بناؤها.

ويؤكد المحمد أن نتائج التنقيبات لعام 2005 أكدت أن القرية كانت محوطة بسور دفاعي لحمايتها وخاصة في الجهة الجنوبية حيث كان مؤلفاً من صفين من الحجارة البازلتية بعرض واحد متر وارتفاع مترين ونصف إضافة الى وجود أبراج مربعة الزوايا في أماكن متعددة.

وتشير المسوحات الى أن تاريخ السور يعود الى القرن الأول قبل الميلاد وهو ما يفسر استخدام القرية كحامية عسكرية لحماية الولاية العربية الرومانية.

أما المنشآت الدينية التي عثر عليها فيوضح الآثاري أنها المعبد المخصص للإله مترا الذي يمكن مقارنته مع المعابد المشابهة المكتشفة في مدينة دورا أوروبوس وموقع حورته والذي يقع وسط القرية ويتميز بوجود تجسيد لآلهة الحظ منقوشة على القوس الرئيسي لقدس الأقداس في داخل المعبد اضافة إلى مبنى الجامع الحالي حيث يظن بأنه مبنى الكنيسة في العصر البيزنطي خلال القرن الخامس أو السادس الميلادي كما تم العثور على بقايا أربعة معابد تعود إلى الفترات الرومانية من خلال العثور على العديد من أجزاء تماثيل الآلهة التي كانت تعرض في تلك المعابد.

ويضيف المحمد أن التنقيب أسفر عن اكتشاف عدد من مستودعات التخزين للحبوب والمجاريش لطحنها وإضافة إلى قبور فردية حفرت بالبازلت وغطيت بألواح حجرية مشيراً إلى أن وجود بعض المساحات الفارغة دون تنظيم واضح يفسر بأنه كان معدا لتخييم الرحل أو أماكن للاجتماعات العامة بالمقارنة مع بعض القرى الحورانية.

يشار إلى أن موقع شعارة يبعد نحو 65 كم عن مدينة درعا وأن أولى البعثات بدأت عام 1998 وأنها سكنت لأول مرة خلال العصر الهيلينستي حوالي القرن الثاني أو الثالث قبل الميلاد وتوالى المجتمعات البشرية في هذه القرية الى ان انقطعت عنها الحياة مطلع القرن العشرين ولعل الطبيعة الجغرافية وفقرها بالمياه كان سبباً مهماً لتكون مهجورة لكن الأسباب نفسها لعبت دوراً مهماً في الحفاظ على هويتها كموقع تاريخي أثري مهم.

الكاتدرائية المريمية أقدم كنائس المنطقة.. وأولى الكنائس التي أقرها الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك

تعد الكاتدرائية المريمية من أقدم الكنائس في سورية والمنطقة وهي تقع في الشارع المؤدي إلى الباب الشرقي في شارع الكنيسة بين طالع الفضة وشارع المنكنة وتشكل معلما عمرانيا هاما جدا ضمن مجمع كبير يضم الدار البطريركية وملحقاتها.

ويرجح أنها انشئت في عهد الامبراطور البيزنطي اركاديوس بين 395 و 408 وكانت عظيمة البناء ذكرتها المصادر التاريخية باسم كنيسة مريم ويعتبرها الباحث الألماني فاتسنكر من اولى الكنائس الاربع التي اقرها الخليفة الاموي الوليد بن عبد الملك تعويضا لكنيسة القديس يوحنا المعمدان التي كانت في موضع الجامع الأموي.

وبعد الفتح العربي 635 أهملت وتخربت وفي عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز 717-719 أعادها إلى أصحابها تعويضا فعمروها عمارة عظيمة ثم احترقت في عهد أحمد بن طولون بين 868 و883 لكنها عمرت من جديد وتهدمت مرة اخرى سنة 926 فأعاد بناءها في السنة عينها الخليفة العباسي المقتدر بالله الذي أرسل وأدب المعتدين عليها وتعرضت للحريق سنة 1009 بامر من الحاكم بأمر الله الفاطمي لكنه عاد وسمح باعمارها بعد نحو سنة.

وزارها الرحالة العربي المسلم ابن جبير نحو سنة 1184 فكتب يقول.. وفي داخل البلد كنيسة لها عند الروم شأن عظيم تعرف بكنيسة مريم وليس بعد بيت المقدس عنهم افضل منها وهي حفيلة البناء تتضمن من التصاوير امرا عجيبا تبهر الافكار ومستوقف الابصار ومراها عجيب وهي بأيدي الروم ولا اعتراض عليهم فيها .

وقال الأب الدكتور متري هاجي اثناسيو إن الكنيسة بدئ بتوسيعها وزخرفتها في عهد المطران ثيوفيلوس الذي استقدم عددا من الفنانين اليونانيين فقاموا برسم ايقوناتها وزيادة زخرفها حتى صارت تفتن الابصار وتخربت من جديد سنة 1260 ميلادي فأعيد بناوءها ثم خربها جنود تيمورلنك سنة 1400 ونهبوا كنوزها وامتعتها واوانيها وذخائرها الثمينة وشوهوا مظهرها وهدموا رواقها الغربي.

وبعد نزوحهم اعاد البطريرك ميخائيل الثالث اعمارها من حجارة كبيرة غاية في الجمال والمتانة ورممت او اعيد بناوءها سنة 1524ولما تشققت جدرانها بزلزال دمشق المدمر سنة 1759 هدمها البطريرك دانيال واعاد إعمارها سنة 1777.

وأضاف.. كانت هذه الكنيسة مؤلفة من كنيستين ..الاولى مريم والثانية كنيسة القديس كبريانوس ويوستينا فأعاد البطريرك اليروثيوس الاول ذياذوخوس بناء كنيسة مريم سنة 1861 وضم إليها ساحة كنيسة كبريانوس ويوتينا والغى كنيسة القديس نيقولاوس لعدم الحاجة اليها ودمج هذه الكنائس في كنيسة واحدة سميت المريمية وأعاد بناء الدار البطريركية وأقام في موضع كنيسة القديس نيقولاوس قاعات كبيرة تحيط بدار فسيحة للذكور وبنى قاعة فسيحة غربي دار المريمية وجعلها للاناث وحفر على عتبة بابها العليا كتابة يونانية تعريبها كما يشتاق الايل الى مجاري المياه كذلك تشتاق نفسي اليك يا الله وبذل المال لإنشاء معهد ثقافة للعذارى الارثوذكسيات البطريرك ايروثيوس القابض على زمام كنيسة انطاكية سنة 1867 ثم قام ببناء قبة الجرس البطريرك اسبيريدونوس وجدد البطريرك الكسندروس طحان هذه الكنيسة سنة 1953 فهدم سقفها المتشعث وقسم من اعالي جدرانها المتصدعة واعاد بناء ما هدم وزخرفته بالنقوش والألوان والرسوم.

وأوضح اثناسيو أن هذه الكاتدرائية هي صرح عمراني فخم يحيطه رواق معقود باقواس نصف دائرية ويعلو الطابق الثاني هذا الرواق وفيه تسع نوافذ الثلاث الوسطى منها فوق باب الكنيسة معقودة بقوس ثلاثي الحنيات وعلى طرفي الواجهة ثلاث نوافذ معقودة بأقواس نصف دائرية أما الطابق الثالث فمتراجع عن ستوى الطابق الثاني وفيه نوافذ مقوسنة تعلوها ثلاث نوافذ مستديرة الوسطى منها هي الاوسع وينتهي السقف بجملون في ذروته الصليب وتشتمل الكنيسة على 6 نوافذ من الغرب و13 نافذة في كل من الجنوب والشمال.

وبجانب البناء برج للناقوس مزخرف اقيم على طراز عمارة ابراج الكنسية البيزنطية وينتهي في رأسه بجوسق معومد تغطيه طاسة فوقها الصليب وعلى الجدار أيضا لوحة رخامية كتب فيها: كما يستاق الايل مجاري المياه هكذا تستاقك نفسي يا رب .

أما الكنيسة من الداخل فغاية في الروعة والبهاء تجملها ايقونات قديمة منها روسية ومنها سورية أورشليمية.

وجهة الكنيسة شطر الشرق تنفتح على ثلاثة ابواب اوسطها أكبرها وهو خشبي بدرفتين فوقه زخرفة مقوسنة يعلوه نقش حجري باللغتين العربية واليونانية فيه إن هذه الكنيسة الشريفة المختصة للروم الارثوذكسيين بالشام قد هدمت بواسطة حادثة دمشق وجدد بناوءها بمدة رياسة كيريوس كيريوس ايروثيوس البطريرك الانطاكي وسائر المشرق سنة 1867 مسيحية.

هذا وقد وضعت فوق البابين الجانبين الغربيين كتابة بالفرنسية والعربية تبرع بترميم هذه الكاتدرائية وتجميلها الارثوذكسي..ميشيل مرهج مرهج ايام البطريرك الانطاكي اناطيوس الرابع عام 1998 م ويفضي الباب الرئيس الى مدخل خشبي مستطيل فوقه ايقونة جناز السيد والى يسار الداخل طاولة وطلاء الكنيسة.

ونمط الكنيسة بازلكي تقسم صحنها الرخامي الكبير إلى ستة أعمدة رشيقة ذات تيجان كورنثية تحمل اقواسا من جهتي الجنوب والشمال وإلى ثلاث اسواق اوسطها في كل منها مقاعد خشبية وهناك بعض الكراسي الخشبية عند الجدران وتستند الى اسفل العمودين الأول والثاني المتناظرين هياكل رخامية من الجهتين تحوي ايقونات لصعود الرب يسوع ودخول السيد.. ويلف كلا من العمودين المتناظرين العمود الثالث قنبيل امبون رخامي يصعد اليه بدرج لولبي درابزينه خشبي رخامي تزين جوانب شرفة كل منهما خمسة اضلاع اضافة الى النسر.. في مقدمتها خمس ايقونات قديمة سورية مقدسية .

وقرب صدر السوق الوسطى العرش البطريركي الخشبي المزخرف من اليمين تعلوه مظلة وفي صدره ايقونة السيد المسيح مباركا وتاريخ 1867 يقابله من اليسار عرش الاسقف الخشبي تعلوه مظلة وفيه ايقونة القديسين الرسولين بطرس وبولس .

ويصعد الى منطقة قدس الاقداس بثلاث درجات رخامية ويفصل الصحن عن قدس الاقداس ايقونسطاس رخامي مهيب جميل جدا تزينه زخارف نباتية يدخل اليه بسبعة فتحات كبيرة وصغيرة تغلق بإيقونات خشبية كبيرة وصغيرة قديمة تتألف ثلاثة منها بدرفتين خشبتين الباب المقدس والبابان المقابلان السوقين الجانبين وفي اعلى فتحة الباب المقدس ايقونة نحاسية نافرة لنياح السيدة شفيعة هذه الكنيسة في الصف السفلي من الايقونسطاس عشر ايقونات كبيرة تتخللها اعمدة رخامية صغيرة رشيقة وفي الصف العلوي 35 أيقونة مستطلية تتخللها اعمدة صغيرة رشيقة للاعياد السيدية تتوسطها أيقونة القيامة وفي الاعلى صف من الايقونات البيضوية للرسل القديسين الاثني عشر يتوسطها ايقونة السيد وفوق الكل ثلاثة صلبونات خشبية اوسطها اكبرها مقابلة لوسط صدر من الاسواق الثلاثة.

وتقوم الشعاري في جهات الكنيسة الثلاث تحملها سبعة اقواس من الجنوب والشمال وستة من الغرب وهناك ثلاثة صفوف من الشبابيك الحديدية مزججة مقوسنة في جدران الكنيسة كافة تفصل كل شباك في أعلى الجدارين الجنوبي والشمالي لوحات زيتية تمثل مشاهد من حياة السيد والسيدة ومن تحت الشعاري في أسفل الجدران الثلاثة هياكل رخامية 2 في الشمالي يناظرها 12 في الجنوب و 8 في الغرب وفي أعلى الوسط الغربي نافذة مزججة ملونة كبيرة بشكل وردة سقف وسط الكنيسة خشبي قبوي الشكل ذهبي اللون أما سقف الجانبين فخشبي مسطح.

ويحوي قدس الاقداس في وسطه المائدة المقدسة النحاسية المضغوطة المستطيلة محاطة بقفص زجاجي فوقها لوحة كبيرة للعشاء السري بيد نقولا تادرس القدسي حزيران 1867 والى جانبي المائدة الكبرى مائدتان رخاميتان أصغر حجما تحمل كلا منهما خمسة أعمدة وهناك باب صغير من الجنوب والشمال.

ويتشكل جدار الحنية الكبرى نصف الدائرية من صفوف من الحجر الأبلق اللونان الأبيض والترابي المائل إلى الأحمر وفي أعلى وسطها طاسة شعاعية واسفل وسطها مفروش ببلاط قاشاني أزرق مؤرخ عام 1870 من بقايا الكنيسة الاقدم يتقدمه الأنوكاتدار أي العرش البطريركي الخشبي في وسط الحنية تعلوه مظلة والى جانبيه كراسي الكهنة ويصعد إليه بأربع درجات وفي اعلى الحنية الوسطى نافذة مزججة ملونة بشكل وردة وتحتها ثلاث طاقات مستديرة وفي قدس الاقداس ستة شبابيك من الشرق وشباك في الطرفين الجنوبي والشمالي والى كتف الحنية الكبرى مذبحان وفي الطرف الجنوبي والشمالي.

والى كتف الحنية الكبرى مذبحان وفي الطرف الجنوبي حنية ضحلة في طاستها رسم جداري يمثل في الاعلى حمامة فأشعة شمس وتحتها غيوم ورسم آخر متناظر في الطرف الشمالي.

“خبز الصاج” نكهة خاصة في ولائم الجزيرة

كثيرة هي الرموز التي ظهرت في الريف وانطلقت إلى المدينة حباً ولذّةً وحفاظاً عليها كخبز “الصاج”، والذي يفرض نفسه بقوة عند الولائم ليضفي متعة أكثر.

تجوّل بين الريف والمدينة للتعرف على علاقة الأبناء مع “خبز الصاج”، وكان للسيد “عبد الرحيم أحمد” من مواطني المدينة كلمة عن هذا الخبز عندما قال: «نحن نأخذ هذا الخبز في العطل الرسمية حيث اجتماع العائلة جميعهم، وتناوله يعطي طعماً مميزاً يذكرنا بماضي الأجداد وكل ما قدموه وصنعوه فهو مفيد وحضاري، ونحمد الله بأنّ الخبز تنقّل إلى المدينة من خلال صنعه بشكل أكبر في المطاعم ليستطيع الجميع الحصول عليه، وهو دليل على أن تراث الماضي مهما كان بسيطاً لا يندثر».

أمّا السيد “علي صالح” فقد تحدث قائلاً: «نحن بالأساس خلقنا في الريف، وبحكم العمل انتقلنا إلى المدينة، ولكن لابدّ أن نتذكر حضارتنا وتراثنا الجميل، وإحدى الهدايا الرائعة التي عرفناها من خلال ريفنا الجميل خبز “الصاج”، فبين الفترة والأخرى نذهب لشرائه من المطاعم، أو تقوم إحدى السيدات الماهرات بصنعه في الدار، والخبز بحد ذاته يحوّل الأكلة إلى وليمة ممتعة مهما كانت متواضعة، والشيء الجميل هو وجود الخبز في جميع الأوقات حتّى في المساء، وعندما نأخذ هذا الخبز للعائلة تكون بمثابة الهدية».

وللسيد “صالح محمود” أحد أكبر

عملية ترقيق العجين
رجالات قرية “قلعة الهادي” حديثه عن خبز “الصاج” عندما قال: «منذ أكثر من خمسين عاماً ونحن في هذه القرية، ومع نشوئها لم تكن هناك أفران آلية لتأمين الخبز، وكنّا نضطر لصنعه محلياً في الدار ولم نكن نحتاج إلا لصاجة ليتم تصنيع أحلى وأشهى خبز، ومنذ ذلك الوقت وحتّى تاريخه نرسل الخبز بين الحين والآخر لأهلنا في المدن، ولطلابنا في الجامعات، ولأصدقائنا في المحافظات الأخرى والذي يعتبر أغلى هدية، والآن كثرت الأفران في القرى ومع ذلك حافظ أبناؤها وسكانها على صنع هذا الخبز وخاصة عند الولائم، فأحياناً الزوّار هم من يطلبون ذلك الخبز مع ولائمهم».

السيد “محمد علي” صاحب أحد المطاعم في المدينة تحدّث عن صنع الخبز في المطعم قائلاً: «منذ عامين تقريباً بدأنا بصنعه هنا، بسبب كثرة الطلبات عليه من الزبائن، وأكثر ما يرغبه الشخص مع أقراص الفلافل حيث يعطي نكهة مضاعفة، وعملية الصنع هي واحدة، ولكن في المطاعم تسخين الصاج من خلال الغاز، وليس بالحطب وما شابهه كما في الريف».

أمّا كيفية تحويل الطحين إلى خبز “الصاج” فكان للموقع وبتاريخ 16/10/2011 زيارة لإحدى ربات المنازل

مرحلة تسخين الخبز
في مدينة “القامشلي” السيدة “عائشة خليل” والتي لها باع طويل في صنع الخبز، خاصة عندما كانت في أحضان الريف ولسنوات كثيرة فبدأت حديثها بالقول التالي: «الخطة الأولى تتطلب منّا أن نبدأ بغربال الطحين بشكل جيد الذي سيتحول إلى عجين، لإزالة جميع الزوائد والشوائب التي قد تتواجد فيه، فالطحين الذي يكون لخبز “الصاج” يجب أن يكون نقيّاً بشكل جيد، وبعد ذلك نضيف كمية من الملح إلى الطحين حسب كميته، فمن دون الملح لا يتحول الطحين إلى عجين، ثم نبدأ بعجن الطحين جيداً ونرشّ الماء عليه بين الحين والآخر وخلال فترات العجن، وهذه العملية تحتاج إلى ما يقارب النصف ساعة، وعند ظهور فقاعات من الماء ضمن العجين ننتهي من عجنه وهو دليل جاهزيته، ومن ثمّ نقوم بتشكيل قطع من العجين على شكل دوائر صغيرة كي يكون الخبز رقيقاً».

وتتابع السيدة “عائشة خليل” عن صنع الخبز بالقول التالي: «ثمّ نضع تلك القطع من العجين على كمية من الطحين حتّى لا يلتصق باليد عند ترقيقه، وعندها نأتي بالصاجة، والتي تكون على شكل دائري ونضعها على ثلاث حجرات بحيث تكون متوازنة، ثمّ نشعل النيران التي تحتها حتّى تُسخّن جيداً، ونرقق قطع العجينة الواحدة تلو الأخرى ونضعها على الصاجة ونقلب العجين على الوجهين لمدة دقيقتين ويكون جاهزاً للأكل، ولكن يجب أن يكون بجانب الصاجة كمية من الماء لنثره على الصاجة ضمن كل فترة حتّى لا تزداد حرارتها بشكل زائد فيحترق الخبز، والذي يجب أن يكون أبيض لذيذاً ورقيقاً، ورائحته فقط كفيلة بفتح الشهية».