Vacation & Tourism in Syria

تعتبر مدينة صلخد ومنذ القدم عاصمة لمنطقة حوران القديمة وذلك منذ العصر النبطي والروماني البيزنطي حتى الآن وشكلت بعد اتساعها مع بصرى مركزين مدنيين كبيرين في المقاطعة الجنوبية لسورية.

وذكرت مدينة صلخد في كثير من الوثائق التاريخية القديمة كما يقول المهندس وسيم الشعراني مدير آثار السويداء حيث ورد ذكرها في كتاب العهد القديم في الإصحاح الثالث والعاشر في معرض الرواية المتعلقة بالملك عوج ملك أدريعا أو درعا حالياً باسم سلخا كما ورد ذكرها في الوثائق المصرية التي تعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد كرسائل تل العمارنة من بين ستين مدينة محصنة من مدن باشان أما عند الأنباط فوردت باسم صلخد.

ويضيف الشعراني أنه تعاقبت على المدينة الجنوبية القديمة حضارات كثيرة حيث دخلها الأنباط حوالي 88 قبل الميلاد واهتموا بها كثيراً نظراً لوقوعها على طريق تجارية هامة وسرعان ما أصبحت في عهدهم عقدة تجارية داخلية ومستودعا للبضائع والأسلحة كما مارسوا الزراعة والتجارة على أرضها وسكنوا الخرائب التي ورثوها عمن قبلهم ورافق ذلك توسع في حفريات خزانات الماء وبناء المخافر العسكرية التي كانت تؤمن الحماية الصارمة للطرق التجارية ولعل أهم ما يدل على آثارهم نقش جاء فيه “من أجل اللات” الموجودة في صلخد والمحفوظ في متحف السويداء حاليا مما يدل على وجود معبد لهم في صلخد.

ويعتبر تاريخ صلخد كما يقول الشعراني في هذه الفترة وما يليها متنافرا تتجاذبه تيارات وحكومات وأفراد كبقية مدن بلاد الشام.

وخضعت صلخد للحكم الروماني بعد الإعلان عن نهاية الدولة النبطية سنة 106 م وكان اهتمام الرومان بصلخد مختلف عن اهتمام الأنباط بها فكانت بالنسبة لهم حصنا منيعا يحمي حاضرتهم من الجنوب الشرقي بما في ذلك حاضرتهم التجارية بصرى من القبائل البدوية الطامعة في أراضي صلخد الخصبة.

كما آلت مدينة صلخد إلى حكم صلاح الدين الأيوبي إبان حكمه لدمشق في عام 571 هجري1176 م حيث ابتدأ عهد جديد من الرخاء والازدهار في سورية بعد انتصاره في معركة حطين ضد الصليبين.

ويضيف الشعراني أنه تكثر اللوحات الحجرية الرومانية المنقوشة في هذه المدينة التي تزدان بها واجهات البيوت والشوارع ومن الآثار الرومانية الهامة والباقية في صلخد الكنيسة التي تعود إلى العهد البيزنطي كما سكن هذه المدينة العريقة الغساسنة وقاموا بالعناية والمحافظة على هذه المدينة.

وفي السياق ذاته شكل عرب هذه المدينة رافدا هاما للجيش العربي الإسلامي الذي طرد الرومان في معركة اليرموك سنة 635 ميلادي إلا أنه في القرون الأربعة الأولى من عهد الإسلام لم يرد ذكر صلخد سوى أنها سكنت من قبل مجموعات بشرية عربية أقامت مع القبائل الوافدة علاقات طيبة ثم عاد ذكر صلخد وقلعتها ليتردد في العهد الفاطمي حيث اتخذها الفاطميون موقعا للوثوب إلى العراق والوصول إلى الخلافة العباسية من جهة ولكبح جماح القبائل البدوية من جهة أخرى.

أما قلعة صلخد التي تقع على ثالث قمة صخرية بازلتية وعلى ارتفاع يزيد على ألف وأربعمئة متر عن سطح البحر فهي تعتبر أهم آثار المدينة وتتميز بموقعها الذي يشرف على ريف المدينة بكامله إشرافاً دقيقاً كما تشكل أعلى قمة في المنطقة وترتبط مع المواقع الأخرى بشبكة من أبراج المراقبة.

والزائر للقلعة التي تعود للعصر الفاطمي إذا ما نظر من أحد منافذها فإن بصره يمتد شمالا حتى أعلى تلال جبل العرب وإلى الجنوب والشرق دون ان يعيق تأمله أي حاجز حتى مشارف البادية.

ويقول الشعراني أن القلعة تشرف من جهة الغرب على أرض حوران بكاملها حتى مشارف الجولان وتخضع قلعة بصرى إلى مراقبتها وإشرافها فيما تشير المكتشفات الأثرية إلى أن القلعة أخضعت البيوت القديمة لمراقبتها أيضا بسبب انتشارها بكثافة على السفح الشرقي والجنوبي للتلة على بعد 40-50 م من الخندق أو السور الأول حيث امتدت حتى خزان الماء البركة الذي أصبح الآن الساحة العامة.

وكغيرها من القلاع فإن لها شكل الدائرة لكنها تتميز بأن لها سورين متتاليين أحدهما دمر ولم يبق منه سوى جزء تظهر بقاياه في الجزء الجنوبي الشرقي للقلعة والاخر يشكل الجسم الخارجي للقلعة.

ويضيف الشعراني أن المكتشفات الأثرية التي تتابعها مديرة الآثار والمتاحف تؤكد أن القلعة تعرضت للكثير من الدمار والتخريب جراء الحروب والغزوات وعانت من انهدامات وانهيارات نتيجة العوامل الجوية يجعل من الصعب الوصول إلى وصف معماري دقيق للقلعة من الداخل لجهة الفراغات الداخلية والممرات والأقبية والسراديب.

أما فيما يتعلق بالسور الخارجي فقد بني من الحجارة البازلتية المنحوتة بدقة وعناية وتظهر بقاياه في الجهة الجنوبية الشرقية للقلعة فيما يشكل السور الداخلي الجدار الخارجي للقلعة وقد صمم في جزئه السفلي بشكل مائل إلى الداخل لحماية جسم القلعة الذي بني على كتلة صخرية أما الجزء العلوي منه فيأخذ المنحى الشاقولي مع مرامي سهام متطاولة120 ضرب10سم وهي لاشك أنها من فترة البناء الأساسية للقلعة التي تعود إلى النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي.

ويشير الشعراني إلى أنه يحيط بالهيكل الخارجي للبناء تماماً خندق ماء بنيت جوانبه بالحجارة يزيد عرضه على عشرة أمتار وعمقه نحو ستة أمتار كانت تملؤه الردميات والحجارة المتساقطة من الأعلى أما الجانبان الغربي والشمالي فما زالا يقدمان صورة وافية عن هذا الخندق وتعمل حالياً دائرة الآثار على تعزيله ورفع الردميات وترميم الجدران الخارجية للقلعة.

أما مدخل القلعة فهو عبارة عن درج يتراوح عرضه بين نصف متر في بعض أجزائه إلى مترين في أجزاء أخرى وينعطف في مسارات ثلاث تفضي إلى داخل القلعة وهو المدخل الوحيد والرئيسي وقد وزعت أبراج المراقبة بشكل دقيق ومدروس لتؤدي مهمتها على كافة الاتجاهات المحيطة بالقلعة.

ويقول الشعراني إنه مع صعوبة تقديم وصف دقيق للفراغات الداخلية للقلعة لكن وبشكل عام تتوزع غرف ومستودعات القلعة وأقبيتها على ثلاث طبقات ربط فيما بينها عدد من الدهاليز والأنفاق والأدراج والأبواب رسم على جانب كل باب مخطط مموه محفور على شكل أسهم ترشد المدافعين وروءساء الأقسام إلى مواقعهم دون عناء وقد ظهر العديد من هذه الفراغات بعد أعمال التنقيب التي قامت بها دائرة الآثار معتمدة في ذلك على فريق وطني مشكل من قبل المديرية العامة للآثار.

ويمكن لزائر القلعة التوغل ضمن الدهاليز والأنفاق بالقدر الذي يسمح به الدمار والردميات المتواجدة أما النفق الذي يحمل البرج الشرقي فيمكن الوصول إليه من الباب الذي يتجه نحو الجنوب وفي منتصف القلعة عبر عدد من الدرجات توءدي إلى ثلاثة أبواب متقابلة إلى الأمام خزان ماء ضخم مطلي بالملاط وإلى اليمين خزان اخر أضخم منه بقليل أما الباب الثالث فهو باب النفق المحفور من الحجر الأحمر والأسود يلتف لينحني نحو اليسار دوما تتوسطه حجرة واسعة ذات سقف عال تؤدي إلى مستودع ضخم سقفه معقود من الحجر البازلتي النظيف.

أما الأسقف فهي عبارة عن قبوات حجرية بنيت من أحجار صغيرة الحجم نسبياً خشنة الملمس يربط فيما بينها مادة الملاط الكلسي وقد روعيت في أعلى كل سقف من الدور الثالث فتحة تهوية وإضاءة لها إطار من الحجر المنحوت حيث يلاحظ وجود عدد من المباني الحديثة في أرجاء القلعة ففي جوار درج المدخل تتوضع العديد من الغرف الحديثة ومستودعات المياه والأبنية الخدمية والتي تعود إلى فترة الانتداب الفرنسي وفي القسم العلوي الغربي للقلعة يلاحظ وجود برج حديث البناء.

واعتمدت القلعة لتأمين المياه على عدد من المصادر المائية التي تؤمن الماء لها أيام السلم و يأتي في مقدمتها خزان المدينة الكبير أما في أيام الحروب والحصار فاعتمدت القلعة على خزاناتها.

ويضيف الشعراني أن الجدران الخارجية للقلعة تعاني من تلف كبير وفقدان العديد من الأجزاء وذلك نتيجة لتفاوت في مقاومة العوامل الجوية والتخريب فالجهتان الشرقية والشمالية منها تعاني من انهيار في الأقسام العليا بينما الأساسات قوية أما الجهة الغربية فقد أثرت الأمطار بشكل كبير على مونة جدرانها مما أدى إلى انهيار قسم كبير منها.

أما الأقسام الداخلية فتغطيها سماكات كبيرة من الردميات وخاصة في الجهتين الشمالية والشرقية حيث يمكن التعرف على عدة مناسيب للبناء تتألف في معظمها من قاعات وغرف وأبهاء.

وكغيرها من المدن القديمة العريقة تحتوي صلخد على العديد من المواقع الأثرية الأخرى ومنها آبدة جنائزية تعود إلى الفترة الواقعة ما بين القرن الثاني والقرن الرابع الميلادي تم اكتشافها في النصف الثاني من العام 2004م وهي عبارة عن مغارة محفورة في السفح الغربي للتلة الحاملة لقلعة صلخد مساحتها 126 متراً مربعاً حفرها الإنسان وقسمها إلى معازب تختلف مساحاتها فيما بينها وبنيت واجهتها من الحجر البازلتي المنحوت وزودت بباب حجري (حلس) وتتوضع على يمين ويسار المدخل شواهد حجرية بازلتية هي عبارة عن مسلات جنائزية ذات أشكال دائرية في قمتها سبعة منها نقشت بالأحرف اليونانية وثلاثة حملت نقوشاً نبطية وأخرى زينت بوجه بشري ضاحك.

ويشير الشعراني إلى أن الكتابات المتواجدة على هذه الشواهد تبين أن المتوفين تراوحت أعمارهم بين 25-60عاما وأن جميع الأسماء المذكورة هي أسماء شخصيات سامية أكثرها معروف في سورية الجنوبية.

وتم الكشف على العديد من اللقى الهامة أثناء التنقيبات التي جرت في المقبرة وهي عبارة عن سرج فخارية وصحون وجرار فخارية إضافة إلى أساور وخلاخل وخواتم ونقود و أقراط برونزية و أقراط ذهبية وعدد من الأساور الزجاجية بالإضافة إلى قارورة زجاجية وحلقات معدنية للتوابيت الخشبية وكم هائل من المسامير الحديدية لتثبيت الأخشاب.

وأثبتت الدراسات أن هذه المقبرة تحتوي على ثلاث مراحل تاريخية نبطي -روماني- بيزنطي وقد قسمت من الداخل إلى ثماني غرف أو معازب بعضها كان للدفن وبعضها الآخر لتجميع الهياكل العظمية.

وتشتهر صلخد بمئذنتها وهي العنصر الوحيد المتبقي من جامع صلخد الكبير الذي يعتبر أقدم جامع في المنطقة ولها شكل مضلع و يبلغ ارتفاعها الحالي 12م تقريباً.

وللمئذنة مسقط مسدس الشكل وجدران بازلتية ذات ألوان متعددة فالأزرق في الأسفل وبعده الأحمر ومن ثم الأبيض وقد زودت بدرج لولبي الشكل وفتحات للتهوية وزينت بأفاريز وزخارف حجرية تنسجم مع الفن المعماري الإسلامي في تلك الفترة.

ويقول الشعراني إن المئذنة تحمل كتابة إسلامية منقوشة تدل على تاريخ بنائها وحتى الآن لم يعثر على ملامح معمارية موازية لها في العالم الإسلامي.

أضف تعليق