Vacation & Tourism in Syria

Archive for جانفي, 2012

معرض

السويداء – مدينة صلخد

تعتبر مدينة صلخد ومنذ القدم عاصمة لمنطقة حوران القديمة وذلك منذ العصر النبطي والروماني البيزنطي حتى الآن وشكلت بعد اتساعها مع بصرى مركزين مدنيين كبيرين في المقاطعة الجنوبية لسورية.

وذكرت مدينة صلخد في كثير من الوثائق التاريخية القديمة كما يقول المهندس وسيم الشعراني مدير آثار السويداء حيث ورد ذكرها في كتاب العهد القديم في الإصحاح الثالث والعاشر في معرض الرواية المتعلقة بالملك عوج ملك أدريعا أو درعا حالياً باسم سلخا كما ورد ذكرها في الوثائق المصرية التي تعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد كرسائل تل العمارنة من بين ستين مدينة محصنة من مدن باشان أما عند الأنباط فوردت باسم صلخد.

ويضيف الشعراني أنه تعاقبت على المدينة الجنوبية القديمة حضارات كثيرة حيث دخلها الأنباط حوالي 88 قبل الميلاد واهتموا بها كثيراً نظراً لوقوعها على طريق تجارية هامة وسرعان ما أصبحت في عهدهم عقدة تجارية داخلية ومستودعا للبضائع والأسلحة كما مارسوا الزراعة والتجارة على أرضها وسكنوا الخرائب التي ورثوها عمن قبلهم ورافق ذلك توسع في حفريات خزانات الماء وبناء المخافر العسكرية التي كانت تؤمن الحماية الصارمة للطرق التجارية ولعل أهم ما يدل على آثارهم نقش جاء فيه “من أجل اللات” الموجودة في صلخد والمحفوظ في متحف السويداء حاليا مما يدل على وجود معبد لهم في صلخد.

ويعتبر تاريخ صلخد كما يقول الشعراني في هذه الفترة وما يليها متنافرا تتجاذبه تيارات وحكومات وأفراد كبقية مدن بلاد الشام.

وخضعت صلخد للحكم الروماني بعد الإعلان عن نهاية الدولة النبطية سنة 106 م وكان اهتمام الرومان بصلخد مختلف عن اهتمام الأنباط بها فكانت بالنسبة لهم حصنا منيعا يحمي حاضرتهم من الجنوب الشرقي بما في ذلك حاضرتهم التجارية بصرى من القبائل البدوية الطامعة في أراضي صلخد الخصبة.

كما آلت مدينة صلخد إلى حكم صلاح الدين الأيوبي إبان حكمه لدمشق في عام 571 هجري1176 م حيث ابتدأ عهد جديد من الرخاء والازدهار في سورية بعد انتصاره في معركة حطين ضد الصليبين.

ويضيف الشعراني أنه تكثر اللوحات الحجرية الرومانية المنقوشة في هذه المدينة التي تزدان بها واجهات البيوت والشوارع ومن الآثار الرومانية الهامة والباقية في صلخد الكنيسة التي تعود إلى العهد البيزنطي كما سكن هذه المدينة العريقة الغساسنة وقاموا بالعناية والمحافظة على هذه المدينة.

وفي السياق ذاته شكل عرب هذه المدينة رافدا هاما للجيش العربي الإسلامي الذي طرد الرومان في معركة اليرموك سنة 635 ميلادي إلا أنه في القرون الأربعة الأولى من عهد الإسلام لم يرد ذكر صلخد سوى أنها سكنت من قبل مجموعات بشرية عربية أقامت مع القبائل الوافدة علاقات طيبة ثم عاد ذكر صلخد وقلعتها ليتردد في العهد الفاطمي حيث اتخذها الفاطميون موقعا للوثوب إلى العراق والوصول إلى الخلافة العباسية من جهة ولكبح جماح القبائل البدوية من جهة أخرى.

أما قلعة صلخد التي تقع على ثالث قمة صخرية بازلتية وعلى ارتفاع يزيد على ألف وأربعمئة متر عن سطح البحر فهي تعتبر أهم آثار المدينة وتتميز بموقعها الذي يشرف على ريف المدينة بكامله إشرافاً دقيقاً كما تشكل أعلى قمة في المنطقة وترتبط مع المواقع الأخرى بشبكة من أبراج المراقبة.

والزائر للقلعة التي تعود للعصر الفاطمي إذا ما نظر من أحد منافذها فإن بصره يمتد شمالا حتى أعلى تلال جبل العرب وإلى الجنوب والشرق دون ان يعيق تأمله أي حاجز حتى مشارف البادية.

ويقول الشعراني أن القلعة تشرف من جهة الغرب على أرض حوران بكاملها حتى مشارف الجولان وتخضع قلعة بصرى إلى مراقبتها وإشرافها فيما تشير المكتشفات الأثرية إلى أن القلعة أخضعت البيوت القديمة لمراقبتها أيضا بسبب انتشارها بكثافة على السفح الشرقي والجنوبي للتلة على بعد 40-50 م من الخندق أو السور الأول حيث امتدت حتى خزان الماء البركة الذي أصبح الآن الساحة العامة.

وكغيرها من القلاع فإن لها شكل الدائرة لكنها تتميز بأن لها سورين متتاليين أحدهما دمر ولم يبق منه سوى جزء تظهر بقاياه في الجزء الجنوبي الشرقي للقلعة والاخر يشكل الجسم الخارجي للقلعة.

ويضيف الشعراني أن المكتشفات الأثرية التي تتابعها مديرة الآثار والمتاحف تؤكد أن القلعة تعرضت للكثير من الدمار والتخريب جراء الحروب والغزوات وعانت من انهدامات وانهيارات نتيجة العوامل الجوية يجعل من الصعب الوصول إلى وصف معماري دقيق للقلعة من الداخل لجهة الفراغات الداخلية والممرات والأقبية والسراديب.

أما فيما يتعلق بالسور الخارجي فقد بني من الحجارة البازلتية المنحوتة بدقة وعناية وتظهر بقاياه في الجهة الجنوبية الشرقية للقلعة فيما يشكل السور الداخلي الجدار الخارجي للقلعة وقد صمم في جزئه السفلي بشكل مائل إلى الداخل لحماية جسم القلعة الذي بني على كتلة صخرية أما الجزء العلوي منه فيأخذ المنحى الشاقولي مع مرامي سهام متطاولة120 ضرب10سم وهي لاشك أنها من فترة البناء الأساسية للقلعة التي تعود إلى النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي.

ويشير الشعراني إلى أنه يحيط بالهيكل الخارجي للبناء تماماً خندق ماء بنيت جوانبه بالحجارة يزيد عرضه على عشرة أمتار وعمقه نحو ستة أمتار كانت تملؤه الردميات والحجارة المتساقطة من الأعلى أما الجانبان الغربي والشمالي فما زالا يقدمان صورة وافية عن هذا الخندق وتعمل حالياً دائرة الآثار على تعزيله ورفع الردميات وترميم الجدران الخارجية للقلعة.

أما مدخل القلعة فهو عبارة عن درج يتراوح عرضه بين نصف متر في بعض أجزائه إلى مترين في أجزاء أخرى وينعطف في مسارات ثلاث تفضي إلى داخل القلعة وهو المدخل الوحيد والرئيسي وقد وزعت أبراج المراقبة بشكل دقيق ومدروس لتؤدي مهمتها على كافة الاتجاهات المحيطة بالقلعة.

ويقول الشعراني إنه مع صعوبة تقديم وصف دقيق للفراغات الداخلية للقلعة لكن وبشكل عام تتوزع غرف ومستودعات القلعة وأقبيتها على ثلاث طبقات ربط فيما بينها عدد من الدهاليز والأنفاق والأدراج والأبواب رسم على جانب كل باب مخطط مموه محفور على شكل أسهم ترشد المدافعين وروءساء الأقسام إلى مواقعهم دون عناء وقد ظهر العديد من هذه الفراغات بعد أعمال التنقيب التي قامت بها دائرة الآثار معتمدة في ذلك على فريق وطني مشكل من قبل المديرية العامة للآثار.

ويمكن لزائر القلعة التوغل ضمن الدهاليز والأنفاق بالقدر الذي يسمح به الدمار والردميات المتواجدة أما النفق الذي يحمل البرج الشرقي فيمكن الوصول إليه من الباب الذي يتجه نحو الجنوب وفي منتصف القلعة عبر عدد من الدرجات توءدي إلى ثلاثة أبواب متقابلة إلى الأمام خزان ماء ضخم مطلي بالملاط وإلى اليمين خزان اخر أضخم منه بقليل أما الباب الثالث فهو باب النفق المحفور من الحجر الأحمر والأسود يلتف لينحني نحو اليسار دوما تتوسطه حجرة واسعة ذات سقف عال تؤدي إلى مستودع ضخم سقفه معقود من الحجر البازلتي النظيف.

أما الأسقف فهي عبارة عن قبوات حجرية بنيت من أحجار صغيرة الحجم نسبياً خشنة الملمس يربط فيما بينها مادة الملاط الكلسي وقد روعيت في أعلى كل سقف من الدور الثالث فتحة تهوية وإضاءة لها إطار من الحجر المنحوت حيث يلاحظ وجود عدد من المباني الحديثة في أرجاء القلعة ففي جوار درج المدخل تتوضع العديد من الغرف الحديثة ومستودعات المياه والأبنية الخدمية والتي تعود إلى فترة الانتداب الفرنسي وفي القسم العلوي الغربي للقلعة يلاحظ وجود برج حديث البناء.

واعتمدت القلعة لتأمين المياه على عدد من المصادر المائية التي تؤمن الماء لها أيام السلم و يأتي في مقدمتها خزان المدينة الكبير أما في أيام الحروب والحصار فاعتمدت القلعة على خزاناتها.

ويضيف الشعراني أن الجدران الخارجية للقلعة تعاني من تلف كبير وفقدان العديد من الأجزاء وذلك نتيجة لتفاوت في مقاومة العوامل الجوية والتخريب فالجهتان الشرقية والشمالية منها تعاني من انهيار في الأقسام العليا بينما الأساسات قوية أما الجهة الغربية فقد أثرت الأمطار بشكل كبير على مونة جدرانها مما أدى إلى انهيار قسم كبير منها.

أما الأقسام الداخلية فتغطيها سماكات كبيرة من الردميات وخاصة في الجهتين الشمالية والشرقية حيث يمكن التعرف على عدة مناسيب للبناء تتألف في معظمها من قاعات وغرف وأبهاء.

وكغيرها من المدن القديمة العريقة تحتوي صلخد على العديد من المواقع الأثرية الأخرى ومنها آبدة جنائزية تعود إلى الفترة الواقعة ما بين القرن الثاني والقرن الرابع الميلادي تم اكتشافها في النصف الثاني من العام 2004م وهي عبارة عن مغارة محفورة في السفح الغربي للتلة الحاملة لقلعة صلخد مساحتها 126 متراً مربعاً حفرها الإنسان وقسمها إلى معازب تختلف مساحاتها فيما بينها وبنيت واجهتها من الحجر البازلتي المنحوت وزودت بباب حجري (حلس) وتتوضع على يمين ويسار المدخل شواهد حجرية بازلتية هي عبارة عن مسلات جنائزية ذات أشكال دائرية في قمتها سبعة منها نقشت بالأحرف اليونانية وثلاثة حملت نقوشاً نبطية وأخرى زينت بوجه بشري ضاحك.

ويشير الشعراني إلى أن الكتابات المتواجدة على هذه الشواهد تبين أن المتوفين تراوحت أعمارهم بين 25-60عاما وأن جميع الأسماء المذكورة هي أسماء شخصيات سامية أكثرها معروف في سورية الجنوبية.

وتم الكشف على العديد من اللقى الهامة أثناء التنقيبات التي جرت في المقبرة وهي عبارة عن سرج فخارية وصحون وجرار فخارية إضافة إلى أساور وخلاخل وخواتم ونقود و أقراط برونزية و أقراط ذهبية وعدد من الأساور الزجاجية بالإضافة إلى قارورة زجاجية وحلقات معدنية للتوابيت الخشبية وكم هائل من المسامير الحديدية لتثبيت الأخشاب.

وأثبتت الدراسات أن هذه المقبرة تحتوي على ثلاث مراحل تاريخية نبطي -روماني- بيزنطي وقد قسمت من الداخل إلى ثماني غرف أو معازب بعضها كان للدفن وبعضها الآخر لتجميع الهياكل العظمية.

وتشتهر صلخد بمئذنتها وهي العنصر الوحيد المتبقي من جامع صلخد الكبير الذي يعتبر أقدم جامع في المنطقة ولها شكل مضلع و يبلغ ارتفاعها الحالي 12م تقريباً.

وللمئذنة مسقط مسدس الشكل وجدران بازلتية ذات ألوان متعددة فالأزرق في الأسفل وبعده الأحمر ومن ثم الأبيض وقد زودت بدرج لولبي الشكل وفتحات للتهوية وزينت بأفاريز وزخارف حجرية تنسجم مع الفن المعماري الإسلامي في تلك الفترة.

ويقول الشعراني إن المئذنة تحمل كتابة إسلامية منقوشة تدل على تاريخ بنائها وحتى الآن لم يعثر على ملامح معمارية موازية لها في العالم الإسلامي.

كراسي القش اليدوية تستعيد الحيوية في المدن السورية

بعدما شارفت على الانقراض ومع العودة إلى تراث الأجداد

مع عودة كثرة من السوريين إلى تراث الأجداد، وانتشار المنشآت السياحية والمطاعم والمقاهي التي تهتم بكل ما هو تراثي، تلاحظ عودة الرواج لبعض المهن اليدوية التي كانت شبه منقرضة في السنوات السابقة. ومن هذه المهن تصنيع كراسي القش من مختلف الأشكال والتصاميم، وصيانتها وترميمها.

كراسي القش كانت من «ثوابت» البيت الدمشقي، وكانت موجودة بجانب بحرة باحة البيت وداخل الغرف، ناهيك عن انتشارها في الدكاكين ومكاتب موظفي الدولة والشركات، غير أنها أخذت تفقد مكانتها خلال السنوات العشرين الأخيرة لصالح الكراسي البلاستيكية الرخيصة الثمن وكراسي الحديد والجلد وغيرها. ولكن مع استعادة كراسي القش شعبيتها، نهضت من جديد مهنة تصنيعها وصيانتها وترميمها، وأخذت تجتذب نسبة لا بأس بها من الشباب السوريين، وعاد أبناء أسر دمشقية كانت قد تخصصت بهذه المهنة إلى العمل بها من جديد. من هؤلاء محمد قضماني، الذي عاد مع شابين صغيرين يدربهما للعمل في ورشة والده في منطقة العمارة بدمشق القديمة، وشقيقه الأصغر أحمد، الذي ترك مهنة الهندسة الزراعية التي درسها في جامعة دمشق ليتفرغ لمهنة الآباء والأجداد من خلال محل العرض في شارع بغداد، بوسط العاصمة السورية.

محمد: «منذ عشرات السنين وأسرتي تعمل في مجال تقشيش الكراسي وترميمها وتصنيعها بشكل يدوي. ووالدي ظل يعمل بهذه المهنة لأكثر من ستين سنة. ولكن مع عزوف الناس عن شراء هذا النوع من الكراسي توقف عملنا لفترة.. قبل أن يعود لينهض مجددا. والحقيقة أن والدي، عمره حاليا 85 سنة، شجعني على التمسك بهذه المهنة، خاصة أن كثيرين من الدمشقيين صاروا يأتون بكراسيهم القديمة لكي نرممها لهم».

وتابع محمد «هناك عدة أسباب لعودة اهتمام الناس بهذا النوع من الكراسي التي تصنع من القش والخشب الطبيعي، منها اكتشافهم فوائدها الصحية للإنسان بعكس الكراسي البلاستيكية التي تسبب ضررا لهم.. فهي من مواد مصنعة ولا يستطيع الشخص الجلوس عليها لفترة طويلة.. بعكس كراسي القش التي يمكن للشخص الجلوس عليها طيلة النهار».

أيضا، من الأسباب.. تأثر الناس بمسلسلات البيئة الشامية مثل «باب الحارة» حيث شاهدوا كيف كان الناس يجلسون في البيوت وفي الدكاكين على كراسي القش، ولا سيما الصغيرة منها – من دون مسند – ، فصاروا يقلدون الممثلين في هذه الأعمال، ويستعيضون عن الكراسي البلاستيكية والجلد الصناعي بكراسي القش.

ثم هناك سبب ثالث أسهم في عودة الطلب على كراسي القش يتمثل في افتتاح مئات المطاعم والفنادق والمقاهي في دمشق القديمة، وحتى خارجها، التي يحرص أصحابها على وجود كراسي القش انسجاما مع طبيعة هذه المنشآت وتصاميمها ومواقعها في أمكنة تراثية.

«ومن الأمور الطريفة هنا – كما يقول قضماني – أن بعض الأسر الدمشقية ظلت تحتفظ بكراسي القش المهترئة على الرغم من عدم استخدامها. ولقد جاءني أحد الدمشقيين بكرسي قش من طراز نادر كان ورثه عن والده، وعمره يتجاوز الثمانين سنة، وقال لي إن أقرباءه كانوا يحثونه دائما على رميه في القمامة.. لكنه رفض. وعندما عاد الاهتمام بهذه الكراسي جاءني به لنصلحه وليتباهى به أمام أقربائه الذين لم يكن يعجبهم».

وحول ورش صناعة كراسي القش ومستلزماتها ومراحل صناعتها، شرح محمد قضماني «قبل نحو ربع قرن كان عدد ورش تصنيع وصيانة كراسي القش في دمشق نحو 35 ورشة. ولكن مع وفاة أصحابها واندثار المهنة انخفض العدد لنحو ثلاث ورش فقط، لكنه ارتفع من جديد في السنوات الثلاث الماضية إلى لثماني ورش. ولكن على الرغم من الارتفاع فإن من يعمل بالمهنة حاليا عبارة عن عمال موسميين من طلبة المدارس الذين يستغلون العطلة الصيفية للعمل فيها. وهي بالأصل مهنة موسمية إذ أنها تنشط في فصل الصيف فقط وتتوقف في فصل الشتاء. ذلك أن تصنيع هذه الكراسي يحتاج لطقس حار وجاف.. ومعظم الناس يرغبون في صيانة كراسيهم مع بداية فصل الصيف للجلوس عليها في أرض الديار (أي الفناءات)». أما ما يخص المواد اللازمة لصنع كراسي القش فيقول محمد، الذي يؤكد أنه لن يورث هذه المهنة لأولاده: «.. هناك خشب الزان الذي يصل إلى الورشة بقطعة واحدة ويجري نشره إلى قطع حسب أبعاد أرجل الكرسي وإطارها، وبعد ذلك توضع هذه القطع على براية (مبراة) ومن ثم على البخار. ولذلك يجري (تطبيق) الكرسي من دون الحاجة للصق بمادة الغراء، أما الأرجل والطارة فيصار إلى ربطها بواسطة البراغي (المسامير اللولبية) وباللف. وفيما بعد يصار إلى استخدام القش أو الخيزران، حسب رغبة الزبون». وعن التصاميم المحلية فمنها: «البلوني» و«الحمصي» و«الهزاز» و«الكعكة» و«قرن الغزال» و«المدور».. وهناك نوع ظهر في مسلسل تلفزيوني قديم يسمى «أم كامل» فصار الكرسي معروفا بين الناس والحرفيين باسم «كرسي أم كامل»، كذلك هناك موديل يدعى «العربي الصغير» وهو منتشر بكثرة، وعادة ما يصنع من خشب الحور ومن قش «الحلف» الذي نأتي به من منطقة دير الزور على ضفاف نهر الفرات. وثمة من يصنع نماذج صغيرة للزينة أو لوضع هاتف الجوال عليها أشبه ما تكون بالدمية أو ألنموذج المصغر.. وهذه تستهوي السياح الأجانب كثيرا».

ثم يتناول محمد جانب تصليح الكرسي، فيقول «عادة يظل الكرسي نحو عشرين سنة في البيت دون أن يخرب.. ولكن بعدها يصبح بحاجة إلى صيانة. وقد يعمر الكرسي لأكثر من ذلك شريطة أن لا يتعرض للماء والرطوبة التي تسرع عطبه. ولذا يلاحظ مثلا أن الكراسي في البيوت التقليدية المفتوحة ذات الفناءات يخرب أسرع من ذلك الموجود في الشقق المغلقة». ويتابع «وبالنسبة للمراحل التي يمر بها الكرسي… ففي البداية يصار إلى قشط الطارة ونزعها لتؤخذ إلى التقشيش من جديد، وهذه مرحلة دقيقة وفنية تستغرق نحو الساعتين وتجرى بواسطة السدي (التسدية) بالطول وبالعرض، ومن ثم تجرى عملية الرفو أو (الرتي).. كما يحصل مع نول النسيج اليدوي، حيث ننتج من القش رسوما معينة لطارة الكرسي. وينتشر حاليا رسم تسمى (الشمس) الذي يستخدم للأبواب التي توضع على (الشوفاجات، سخانات الهواء) لحماية الأطفال من معدنها القاسي وكذلك تشكل لجمال منظهرها خاصة إذا صنعت من القش الملون أحيانا مع الخشب وهو ما يعطي (الشوفاج) في صالونات المنازل والمكاتب منظرا جميلا».

كلمة أخيرة: على الرغم من المستقبل الغامض لمهنة صنع كراسي القش وصيانتها وتخلي الحرفيين عنها، يبقى بصيص أمل مع «عودة الروح إليها» – كما يقول محمد قضماني – من خلال إقبال زبائن كثر على شرائها من بلدان مجاورة كالأردن ولبنان والعراق. وحسب قضماني فإن اللبنانيين هم أكثر الناس إقبالا على شراء كراسي القش خلال السنوات الماضية.. لا سيما أنهم ينظرون إليها من نواح جمالية ولا يهمهم أسعارها المرتفعة نسبيا بالمقارنة مع أسعار الكراسي البلاستيكية أو المعدنية.

مزولة شمسية نادرة في “الجامع الأموي” بحلب

مزولة شمسية نادرة في “الجامع الأموي” بحلب

في باحة “الجامع الأموي” الكبير في مدينة “حلب” وعلى عمود من الحجر توجد مزولة شمسية أفقية متقنة الصنعة ذات غطاء نحاسي على شكل قبة لحمايتها من العوامل الجوية وقد تم إنشاؤها في العهد العثماني للاستعانة بها في معرفة المواقيت.
للحديث عن هذه تاريخ هذه المزولة الشمسية النادرة وأقسامها وطريقة عملها التقى موقع eAleppo بالمهندس “محمد مجد الصاري” رئيس اللجنة الفلكية في نقابة المهندسين بحلب والتي تحدث بالقول: «تُصنع المزاول الشمسية على أنواع ثلاثة: المزولة الشمسية العمودية حيث يكون سطحها عمودياً على الأفق وهي النوع الأعم، والمزولة الشمسية الأفقية /وتُسمى البسيط أيضاً/ حيث يكون سطحها موازياً للأفق وهذا النوع نادر الوجود وذلك نظراً لصعوبة تنفيذه، وهناك المزولة الشمسية المائلة حيث يكون سطحها مائلاً على الأفق».

وأضاف الأستاذ “الصاري”: «في مباني “حلب” القديمة وخاصّةً في الجوامع يوجد النوع الأول من المزاول الشمسية العمودية، أما النوع الثاني /المزاول الأفقية/ فينفرد “الجامع الأموي” بحلب بوجود هذا النوع من المزاول الشمسية فيه ويساويه في هذا الفضل “الجامع الأموي” بدمشق وذلك بوجود مزولة شمسية أفقية مركبة على مئذنة العروس ولا يراها الناس وهي مخصصة للمؤذّن لأنه الشخص الوحيد الذي يصعد إلى المئذنة ويعود أصلها إلى الفلكي الدمشقي الكبير “ابن الشاطر”، وعلى حد علمي فإنه لا يوجد سوى هاتين المزولتين من هذا الطراز في “سورية”».

وحول المزولة الشمسية الموجودة في “الجامع الأموي” في “حلب” قال: «درة فريدة من نوعها أُقيمت في
المزولة بعد رفع الغطاء عنها
باحة “الجامع الأموي” الكبير بحلب إنها المزولة الأفقية /البسيط/ وللأسف فهي مغطاة ولا يراها الناس.

أُقيمت هذه المزولة في عهد الوالي العثماني “جميل باشا” والي “حلب” في العام 1297 هجرية 1881 ميلادية وهذا الكلام مدونٌ عليها، وقد رُسمت هذه المزولة على قرص دائري من المرمر الأبيض ضمن قرص دائري أكبر مصنوع من الحجر الأصفر وهي محاطة بسور صغير يمكن للناظر الوقوف عليه والنظر إليها، وعلى غطاء الساعة النحاسي كُتب وقت فتحها وكذلك وقت إغلاقها وهذا يدل على أنها لم تكن لعامة الناس وإنما كانت مخصصة لجماعة مؤذني المسجد».

وتابع الأستاذ “الصاري” متحدثاً عن أوصاف المزولة: «قرص المزولة الدائري مقسوم إلى نصفين /شمالي وجنوبي/ وذلك بواسطة خط يمر بالمركز يُدعى خط المشرق والمغرب، النصف الشمالي من القرص الدائري ويشكل الجزء الرئيسي من المزولة مرسوم فيه مستطيل ضلعه الكبير مطابق لقطر القرص الدائري ويقع في منتصف هذا الضلع المطابق لمركز القرص الدائري مؤشر المزولة الرئيسي الذي يُسقط ظله على أحد الخطوط الإثني عشرة المنقسم إليها المستطيل ليشير إلى ساعات النهار, وهذه الخطوط مرقمة من الساعة السادسة صباحاً إلى الساعة السادسة مساءً مروراً بخط منتصف النهار الذي يطابق
الساعة الثانية عشرة ظهراً /عند الإعتدالين الربيعي والخريفي/.

وبالنسبة لأقسام خطوط الساعات من التاسعة صباحاً إلى الثانية بعد الظهر فقد قُسّم كل جزء منها إلى ستة أقسام وذلك للحصول على دقة في التوقيت مقدارها عشر دقائق، أما أقسام خطوط الساعات الباقية فقد قُسّم كل منها إلى قسمين فقط أي بدقة نصف ساعة ويدل ذلك على الغاية الأساسية التي وُضعت المزولة من أجلها وهي ضبط وتحديد موعد صلاتي الظهر والعصر.

أما النصف الجنوبي من القرص فقد وُضعت فيه رسومات وبعض من آيات القرآن الكريم والرسم الأهم هو للكرة السماوية ولأهم خطوطها وُضع في مركزها مؤشر يدل على وقتي الظهر والعصر».

وختم قائلاً: «هذا وصف مختصر لهذه المزولة ونظراً لأهميتها التاريخية فسوف أقوم بتأليف كتاب عن المزاول الشمسية أتحدث فيه بالتفصيل عن هذه المزولة الرائعة».

وفي كتابه /علماء من “حلب” في القرن الرابع عشر/ يقول الأستاذ “محمد عدنان كاتبي” حول شخصية الشيخ “عبد الحميد دده” الذي صنع هذه المزولة بالقول: «الشيخ “عبد الحميد بن الشيخ حسن دده البيرامي” /1803 -1886 م/ عالم وفقيه وفلكي رياضي له معرفة كبيرة بعلم الحساب والهندسة والجبر والزايرجة*.

من أهم آثاره الباقية إلى يومنا هذا قرص من الحجر رسم فيه دائرة تعلم منها الأوقات /ساعة فلكية/ وهي ما تزال في صحن “الجامع الأموي” الكبير وقد أتم صنعها سنة 1297 هجرية، كما صنع نظير هذه الساعة للسلطان “عبد الحميد الثاني” سنة 1300 هجرية وُضعت في “قصر يلدز” في “استانبول” وقد أكرمه السلطان لهذا الصنيع وأجزل له العطاء».

* الزايرجة: الزايرجة أو الزائرجة هي علم بقوانين صناعية تستخدم للكشف عن الأمور المغيبة.