قصة أول طائرة تهبط دمشق
بدأت رحلات الطيران تنتشر في العالم في بداية القرن , وأرادت الدولة العثمانية أن تدخل مجال الطيران فقامت بشراء طائرتين مستعملتين من الإمبراطورية الألمانية , وحدد موعد الرحلة التجريبية الأولى لأحد الطائرتين في ربيع عام 1914م , وقد اختير لقيادة الطائرة الملازم أول صادق بك ومعاونه اليوزباشي فتحي بك بعد أن تلقيا تدريبات عديدة على قيادة الطائرة .
كانت مخطط الرحلة الانطلاق من اسطنبول والهبوط في دمشق , ومن ثم الانطلاق إلى مصر والعودة .
انطلقت الرحلة من اسطنبول وكان السلطان وكبار أركان الدولة على رأس المودعين, وفي دمشق احتشد الناس في المكان المقرر لهبوط الطائرة غير مصدقين أن ما سمعوه من أن كتلة من الحديد تطير, والبعض اعتبر ذلك نوعاً من الكفر , وما أن ظهرت الطائرة في الجو حتى ارتفعت أصوات الهتاف والزغاريد .
احتشدت جموع غفيرة في المرج الاخضر (حيث معرض دمشق الدولي القديم ) حيث كان مقررا وهبطت الطائرة هناك وكان في استقبال الطيارين كبار أعيان دمشق والوالي وكبار قادة الجيش وجموع المواطنين , وحاول بعد الناس خلع جزء من هيكل الطائرة للذكرى ولولا إحاطة الطائرة بالحراسة لما بقي منها شيء , حُمل الطيارين على الأكتاف وأقيمت لهم الولائم والأفراح وطافوا بهم في أنحاء دمشق على أنهم أبطال.
وفي اليوم الثالث من وصولها زحفت الجماهير لتشاهد سفر الطائرة والمتجه إلى القاهرة, وغادرت الطائرة وسط توديع الناس للطيارين الأبطال, لكن الطائرة سقطت قرب بحيرة طبريا ومات الطياران, وأحضرت جثتيهما بالقطار إلى دمشق, وسارت الجنازة في أنحاء دمشق وسط الحشود الحزينة , وكانت ولولة النساء تعلو على أصوات المؤذنين , ودفنا إلى جوار قبر صلاح الدين الأيوبي, وعم الحزن أنحاء الشام وفرغت الشوارع كأنها بحداد رسمي, وفتحت بيوت العزاء في كل حي وحارة حتى في مناطق المسيحيين.
بعد أسبوع انطلقت الطائرة الثانية في رحلة رد الاعتبار وصلت الطائرة دمشق حيث هبطت في سهل المزة, ولم يكن في استقبالها ذلك الحشد الشعبي نظراً لأن الناس كانوا ما يزالون في فترة حزن على الطيارين, ومن دمشق أقلعت باتجاه مصر إلا أن خطها وخط قائديها لم يكن أحسن مما سبق فوقعت في البحر أمام مدينة يافا ونجا معاون قائد الطائرة , واستشهد قائد الطائرة الملازم نوري بك ودفن الى جوار رفيقيه الأولين.